فَصْل
فإن قيل: ما ذكرتموه من الأدلة مُعارَض بما يدل على خِلافه، وذلك: أنَّ شرع مَن قبلنا شرعٌ لنا، ما لم يرد شرعنا بخلافِه، وقوله تعالى: ﴿فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقۡتَدِهۡۗ﴾ [الأنعام: 90]، وقوله ﴿ٱتَّبِعۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ﴾ [النحل: 123] وقوله: ﴿يَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسۡلَمُواْ﴾ [المائدة: 44]، وغير ذلك من الدلائل المذكورة في غير هذا الموضع، مع أنكم مسلِّمون لهذه القاعدة، وهي قول عامَّة السَّلف وجمهور الفقهاء، ومعارَض بما رواه عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟»، فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ»,فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. متَّفقٌ عليه ([1]). و عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَعُدُّهُ الْيَهُودُ عِيدًا، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَصُومُوهُ أَنْتُمْ» متفق عليه، وهذا اللفظ للبخاري ([2])، ولفظ مسلم ([3]): «تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ، وَتَتَّخِذُهُ عِيدًا»، وفي لفظٍ له ([4]): «كَانَ أَهْلُ خَيْبَرَ يَصُومُونَ
([1])أخرجه: البخاري رقم (2004)، ومسلم رقم (1130).