فيما
ينهى عنه من موافقته، ولم يثبت أنّه شرع لمن كان قبلنا، وإن ثبت فقد كان هَديُ
نبينا صلى الله عليه وسلم بخلافِه، وبهم أُمِرنا نحن أن نتَّبع ونقتدي، وقد أمَرنا
نبينا صلى الله عليه وسلم أن يكون هدينا مخالفًا لهدي اليهود والنصارى، وإنما تجيء
الموافقـة في بعض الأحـكام العارضـة، لا في الـهدي الرّاتب والشِّعار الدائم. ثم
ذلك بشرط: إلاَّ يكون قد جاء عن نبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله
عليهم خِلافُه، أو ثبت أصل شرعه في ديننا، وقد ثبت عن نبيّ من الأنبياء أصلُه أو
وصفُه، مثل فداء من نذر أن يذبح ولده بشاة، ومثل الختان المأمور به في مِلَّة
إبراهيم عليه السلام، ونحو ذلك، وليس بكلام فيه.
***
لـمّا انتهى الشيخ
من بيان النهي عن التشبُّه بالكفار عمومًا، أورد شُبهًا قد يستدل بها من يرى عدم
تحريم التشبُّه:
أولها: أنَّ شَرْع مَن
قَبْلنا شرعٌ لنا، وهذا فيه موافقة لمن كان قبلنا، وأنتم تقولون: لا توافقوا غيركم
من الأمم.
ثانيها: بقوله تعالى لما ذكر
الأنبياء في سورة الأنعام: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقۡتَدِهۡۗ﴾ [الأنعام: 90] أي:
أنَّ الله أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بهدي الأنبياء السابقين، وهذا
فيه موافقة لمن كان قبلنا.
وثالثها: قوله تعالى: ﴿ٱتَّبِعۡ مِلَّةَ
إِبۡرَٰهِيمَ﴾ [النحل: 123] فإبراهيم هو خليل الله، وقد أُمر نبينا صلى الله عليه وسلم
أن يتبعه، وهو من السابقين من الأمم، وأنتم تقولون: لا توافقوا غيركم من الأمم؟!
ورابعها: في قوله: ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِيهَا هُدٗى وَنُورٞۚ يَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسۡلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُواْ مِن
الصفحة 1 / 417