ومِثل ذلك اليوم: لو أنَّ
المسلم بدارِ حربٍ أو دارِ كُفرٍ غير حرب، لم يكن مأمورًا بالمخالفة لهم بالهدي
الظاهر، لما عليه في ذلك من الضرر، بل قـد يُستحبُّ للرجل أو يجبُ عليه أن يشاركهم
أحيانًا في هديهم الظاهر، إذا كان في ذلك مصلحة دينية، من دَعوتهم إلى الدِّين،
والاطلاع على بعض أمورِهم، لإخبار المسلمين بذلك، أو دفعِ ضررِهم عن المسلمين،
ونحو ذلك من المقاصدِ الصالحة. فأما في دار الإسلام والهجرة التي أعزَّ الله بها
دينّه، وجعل على الكافرين بها الصَّغار والجزية، ففيها شُرعت المخالفة، وإذا ظهرت
الموافقة والمخالفة لهم باختلاف الزمان والمكان، ظهرت حقيقة الأحاديث في هذا.
الوجه الثاني: لو فرضنا أنّ
ذلك لم يُنسخ، فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم هو الذي كان له أن يوافقهم؛ لأنَّه
يعلم حقَّهم من باطلِهم بما يعلِّمه الله إياه، ونحن نتَّبعه، فأمَّا نحن فلا يجوز
لنا أن نأخذ شيئًا من الدِّين عنهم لا مِـن أقـوالِـهم، ولا مِـن أفعـالِهم،
بإجماع المسلمين المعلوم بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو قـال
رجل: يُستحب لنا موافقةُ أهل الكتاب الموجودين في زماننا لكان قد خرج عن دِين
الأمَّة.
الوجه الثالثُ: أن نقولَ بموجبِه: كان يعجبه موافقةُ أهلِ الكتاب فيما لم يُؤمر فيه بشيء، ثم إنَّه أُمر بمخالفتِهم، وأُمرنا نحن أن نتَّبع هديَه وهدي أصحابه السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار. والكلام إنما هو في أنّا منهيون عن التشبُّه بهم، فيما لم يكن سَلفُ الأُمَّة عليه، فأمَّا ما كان سَلَفُ الأمَّة عليه، فلا ريب فيه، سواء فعلوه أو تركـوه، فإنَّا لا نترك ما أمـر الله به لأجـل أنَّ الكفار
الصفحة 1 / 417