قوله: «الوجه الثاني: لو فرضنا أنَّ ذلك لم ينسخ...» الوجه الثاني من
وجهي الجواب عن قولهم: إنَّ شَرْع مَن قبلنا شرعٌ لنا، أنَّه إنما يعرف شرعَهم
وشرعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه هو الذي يعرف ما عليه أهل الكتاب من
الحقِّ والباطل، أمَّا نحن فعلمنا قاصر، فنحن نتبع الرسول في ذلك، ولا يجوز لنا أن
نقول: إنَّ هذا الأمر لم يرد فيه نهي، ونتصرف بناءً على ذلك في التشبه بهم أو
عدمه، بل الواجب الحذر من ذلك.
قوله: «الثالث: أن
نقول بموجبه: كان يعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء...» يعني:
أنَّ الوجه الثالث: أنَّه كان يُحب أن يوافق أهل الكتاب، فيما لم يُؤمر بمخالفتهم
فيه، هذا كان في بداية الأمر، فليس حُجَّة لنا أن نستمر عليه؛ لأنَّه بعد ذلك أُمر
صلى الله عليه وسلم بمخالفتِهم، وأَمر أُمَّته بمخالفتِهم، فنحن نتَّبع الرسول صلى
الله عليه وسلم، ونخالفُهم فيما أُمرنا بمخالفتهم فيه، ولا نبقى على الأصل، ونقول:
إننا نُحب أن نتَّبعهم فيما لم نُؤمر بمخالفتهم فيه، فنحن لا ندري عن الأوامر
والنواهي تفصيلاً، وإن علمنا بعضها إجمالاً، فعلينا أن نتوقف في هذا الأمر؛ لأنَّ
هذا دِين، ولا يجوز تشريع دينٍ من غير دليل.
قوله: «والكلام إنما هو في أنا منهيون عن التشبه بهم...» يعني: إذا أشكل علينا مما عليه أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ليس عندنا دليلٌ من الشرع من أمرٍ أو نهي، فإننا ننظر ما كان عليه سَلَف الأمَّة؛ لأنهم القدوة، وهم أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فما فعلوه نفعله، وما تركوه