×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثالث

وذلك أنَّ القوم يزعمون أنَّ ما وصفـه رؤساء دينهم من الأحبار والرهبان من الدين فقد لزمهم حكمه، وصار شرعًا شرعه المسيح في السماء.

فهم في كـل مدَّة ينسخون أشياء، ويشرعون أشياء من الإيجابات والتحريمات، وتأليـف الاعتقادات وغير ذلك، مخالفًا لما كانوا عليه قبل ذلك؛ زعمًا منهم أنَّ هذا بمنزلة نسخ الله شريعة بشريعة أخرى، فهم واليهود في هذا الباب وغيره على طرفي نقيض: فاليهود تمنع أن يَنْسخ الله الشرائع، أو يبعث رسولاً بشريعة تخالف ما قبلها، كما أخبر الله عنهم بقوله: ﴿سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيۡهَاۚ [البقرة: 142] والنصارى تجيز لأحبارهم ورهبانهم شرع الشرائع ونسخها، فلذلك لا ينضبط للنَّصارى شريعة محكمة مستمرَّة على الأزمان.

****

  قوله: «ذلك أنَّ القوم يزعمون أنَّ ما وضعه رؤساء دينهم مـن الأحبـار والرهبان من الدين...» وهذا كما قال سبحانه عنهم: ﴿ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُوٓاْ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗاۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ سُبۡحَٰنَهُۥ عَمَّا يُشۡرِكُونَ [التوبة: 31] والأحبار: هم العلماء، والرهبان: هم العبَّاد، فهم يتخذون الأحبار والرهبان مُشرِّعين لهم يُطيعونهم فيما يقولون، وهذا لا شكَّ أنه كفر بالله سبحانه وتعالى لأنَّ الله ساق ذلك مساق الإنكار عليهم فقال: ﴿ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا، فهذا إنكار عليهم وتحذير لنا أن لا نجعل من العلماء مشرعين من دون الله، وإنما الـمُشرِّع هو الله سبحانه وتعالى


الشرح