وما كانَ مَظِنّة
لفسادٍ خفي غير منضبط، علق الحكم به، وأدير التحريم عليه، فنقول: مشابهتهم في
الظاهر سبب ومَظِنّة لمشابهتهم في عين الأخلاق والأفعال المذمومة، بل في نفس
الاعتقادات.
وتأثير ذلك لا
يظهر ولا ينضبط، ونفس الفساد الحاصل من المشابهة قد لا يظهر ولا ينضبط، وقد يتعسّر
أو يتعذَّر زواله بعد حصوله، ولـو تُفطِّن له.
****
فالشارع الحكيم سدّ
هذا الباب، وقصر المسلمين على عيدين شريفين، ونهاهم عن مشابهة الكفار ومشاركتهم في
أعيادهم، وجعل العيدين الشريفين بديلاً عن أعياد الكفار، وكل ذلك إنما جعله سدًّا
لذريعة الوقوع في المشابهة لهم.
المعنى: أنَّ ما كان مظنة
الضرر ومظنة الباطل فإنه يحرم، وإن كان ذلك غير ظاهر؛ لأنه وإن كان غير ظاهر فإنه
موجود، فيُتجنّب من أجل السلامة، والبعد عن تطرق الضّرر الخفي الذي قد يتعاظم
ويظهر على مرّ الزمان، ويندمج فيه الحق بالباطل، ويَلْتبس فيه الحق بالباطل.
الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقصر تحريم التّشبه على ما كانت مضرّته ظاهرة، وحكمه ظاهرًا، وإنما عمّم فقال: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» ([1]) فهو عمومٌ لما يكون في الأمر الظاهر والباطن، بل الأمر الباطن أشدّ من الأمر الظاهر؛ لأن الظاهر قد يُنبّه عليه ويُزال، لكنّ الباطن قلَّ من يتنبّه له، فلذلك النبي صلى الله عليه وسلم حرَّم التشبه بهم مطلقًا.
([1])أخرجه: أبو داود رقم (4031)، وأحمد رقم (5114)، وسعيد بن منصور رقم (2370).