وهذا أمر يَشهد
به الحِسّ والتجربة، حتى إنَّ الرجلين إذا كانا من بلد واحد، ثم اجتمعا في دار
غربة، كان بينهما من المودة والموالاة والائتلاف أمر عظيم، وإن كانا في مصرهما لم
يكونا متعارفين أو كانا متهاجرين.
وذلك لأنَّ
الاشتراك في البلد نوع وصف اختصّا به عن بلد الغربة.
بل لو اجتمع
رجـلان في سفر أو بلد غريب، وكانت بينهما مشابهة في العِمامة أو الثياب أو الشَّعر
أو المركوب ونحو ذلك: لكان بينهما من الائتلاف أكثر مما بين غيرهما.
****
التشبه بالكفار في
الظاهر يقتضي محبتهم في الباطن، هذا شيء يثبته الحِسّ والمشاهدة والتجربة، فإذا
اجتمع رجلان في دار غربة وهما من بلد واحد، ولم تكن بينهما علاقة من قبل، فبمجرد
أن يلتقيا في دار الغربة فإنه وبسبب التّشابه بينهما في بعض الأمور
كاللباس أو الهيئة أو غير
ذلك فتكون بينهما المودّة والقرب، وإن كانا في الماضي متهاجـرين متباغضين.
أي: أنَّ هذا الاشتراك
في البلد الذي نشآ فيه سبّب لهما ميلَ بعضهما إلى بعض.
هذا الكلام توضيحٌ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» ([1]) فلو التقى رجلان وليس بينهما أي علاقة إلاَّ التشابه في لبس العمامة أو في الثوب أو في المظهر، فإنَّ هذا يقتضي ميل بعضهما إلى
([1])أخرجه: أبو داود رقم (4031)، وأحمد رقم (5114)، وسعيد بن منصور رقم (2370).