×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الثاني

وَلرُبَّ مُعْتَرِضٍ يَقُولُ: إِذَا كَانَ التّبْغُ مُمِيتًا قتالاً فَلِمَ لاَ يَمُوتُ المُدَخِّنُونَ سَرِيعًا؟ إِنَّهُمْ لاَ يَمُوتُونَ سَرِيعًا؛ لأَِنَّ الأَعْضَاءَ تُجِدُّ وَتُكَافِحُ لِلتَّخَلُّصِ مِنَ السُّمُومِ المُتغَلْغلَة فِي الجِسْمِ عَلَى الدَّوَامِ كِفَاحًا جَرِيئًا، وَأَكْبَرُ دَلِيلٍ عَلَى أَضْرَارِ التّبغِ مَا يَظْهَرُ بَعْدَ تَدْخِينِ اللّفَافَةِ الأُولَى، فَإِنَّهَا تُحْدِثُ الصُّدَاعَ وَالغَثَيَانَ وَالقَيْءَ، وَلَكِنْ إِذَا تَشَبَّثَ الإِنْسَانُ بِعَادَةِ التَّدْخِينِ، وَتَمَادَى فِي تَعَاطِيهِ صَارَ لِجِسْمِهِ طَاقَةٌ عَلَى احْتِمَالِ مَفْعُولِهِ الضَّارِّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الطَّاقَةَ لاَ تَكْفُلُ لِلجِسْمِ المَنَاعَةَ وَالتَّحَرُّزَ مِنَ النِّيكُوتِين الَّذِي يُوَاصِلُ نَفْثَ سُمُومِهِ الخَفِيَّةِ، وَيَسْعَى سَعيهُ الحَثِيثَ لِلضَّرَرِ بِالحَيَاةِ، وَلاَ بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ الوَقْتُ الَّذِي تَقِفُ فِيهِ تِلكَ الإطَاقَة عِنْدَ حَدِّهَا الأَخِيرِ، فَيَعْرُوهَا الوَهَنُ، وَيَنْتَهِي ذَلِكَ الكِفَاحُ الطَّوِيلُ الجَاهِدُ، وَيُحَاوِلُ الجِسْمُ الكَلِيلُ العَانِي أَنْ يَتَذَرعَ بِحَول مُصْطَنَعٍ لِمُوَاجَهَةِ مَوْقِفِهِ العَصِيبِ، وَكَأَنِّي بِالطَّبِيعَةِ تَنْظُرُ إِلَيْهِ إِذْ ذَاكَ آسِفَةً وَتَقُولُ: «هُوَ ذَا المُدَخِّنُ يَسْتَسْلِمُ لِلأَوْهَامِ وَالخَيَالاَتِ فَلْنَتْرُكْهُ لِحَالِ سَبِيلِهِ»، ثُمَّ يُوَاصِلُ الكَلاَمَ إِلَى أَنْ يَقُولَ: فَإِنَّ المُدَخِّنَ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُبْصِرَ بِالعَيْنِ المُجَرَّدَةِ فَدَاحَةَ الأَضْرَارِ اليَوْمِيَّةِ الَّتِي يُلحِقُهَا التّبغُ بِالقَلبِ وَالأَوْعِيَةِ الدَّمَوِيَّةِ وَالكُلَى وَالكَبِدِ وَالمَعِدَةِ وَالدِّمَاغِ، وَلاَ يَمُوتُ عَلَى الفَوْرِ بَعْدَ تَدْخِينِ لفَافَةٍ صَغِيرَةٍ يَحْسُبُ أَنَّهُ يَنْهَضُ، وَيَرْتَقِي بِذَلِكَ النَّشَاطِ الوَقْتِيِّ الَّذِي يَبْعَثُهُ إِلَيْهِ التَّدْخِينُ. عَلَى أَنَّ التّبغَ إِنْ كَانَ يَقْضِي عَلَى الحَيَاةِ بِبُطْءٍ إلاَّ أَنَّ قَضَاءَهُ عَلَيْهَا مُبْرَمٌ مَحْتُومٌ لاَ مَفَرَّ مِنْهُ، وَالمُدَخِّنُ يُسْرِفُ فِي العَبَثِ بِصِحَّتِهِ، وَيَنْتَحِرُ بِيَدِهِ عَلَى مَهلٍ، وَلَكِنْ يَوْمُ الحَشْرِ العَظِيمِ يَنْتَظِرُهُ، وَلاَ بُدَّ أَنْ يُقَدِّمَ فِيهَا حِسَابًا عَمَّا جَنَتْ يَدَاهُ. وَمَتَى بَلَغَ التّبغُ مَدَاهُ مِنَ الإِضْرَارِ بِكَثِيرٍ مِنَ الأَعْضَاءِ الحَيَوِيَّةِ كَالقَلبِ وَالكَبِدِ وَالكُلَى يَقِفُ الطِّبُّ مَوْقِفَ الحَائِرِ


الشرح