عَلَى لِحْيَتِهِ، وَأَخَذَ مَا زَادَ عَلَى
القَبْضَةِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى الأَخْذِ مِنَ اللِّحْيَةِ
مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ ابْنُ عُمَرَ إِذَا أَدَّى نُسُكًا حَجًّا أَوْ
عُمْرَةً، مَعَ حَلقِه لِشَعْرِ رَأْسِهِ أَوْ تَقْصِيرِهِ يَأْخُذُ مَا زَادَ
عَلَى القَبْضَةِ. فَنُطَالِبُ الأُسْتَاذَ القَرَضَاوِيَّ بِصِحَّةِ مَا نَقَلَهُ
عَنِ السَّلَفِ المُعْتَبَرِينَ مِنْ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ لِحَاهُمْ، غَيْرَ ابْنِ
عُمَرَ فِي تِلكَ الحَالَةِ خَاصَّةً اجْتِهَادًا مِنْهُ.
وَالحَقُّ مَا
وَافَقَ الدَّلِيلَ مِنْ اجْتِهَادِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ عَلِمْتَ
أَنَّ الدَّلِيلَ بِخِلاَفِهِ.
الخَطَأُ الثَّانِي:
قَوْلُ المُؤَلِّفِ: «وَبِهَذَا نَرَى أَنَّ فِي حَلقِ اللِّحْيَةِ
ثَلاَثَةَ أَقْوَالٍ: قَوْلٌ بِالتَّحْرِيمِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ
تِيمِية وَغَيْرُهُ. وَقَوْلٌ بِالكَرَاهَةِ وَهُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي «الفَتْحِ»
عَنْ عَيَّاشٍ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ. وَقَوْلٌ بِالإِبَاحَةِ وَهُوَ الَّذِي
يَقُولُ بِهِ بَعْضُ عُلَمَاءِ العَصْرِ. وَلَعَلَّ أَوْسَطَهَا أَقْرَبُهَا
وَأَعْدَلُهَا وَهُوَ القَوْلُ بِالكَرَاهِيَةِ؛ فَإِنَّ الأَمْرَ لاَ يَدُلُّ
عَلَى الوُجُوبِ جَزْمًا، وَإِنْ عُلِّلَ بِمُخَالَفَةِ الكُفَّارِ، وَأَقْرَبُ
مَثَلٍ عَلَى ذَلِكَ هُوَ الأَمْرُ بِصَبْغِ الشَّيْبِ مُخَالَفَةً لِليَهُودِ
وَالنَّصَارَى؛ فَإِنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَصْبُغُوا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ
الأَمْرَ لِلاِسْتِحْبَابِ. صَحِيحٌ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَل عَنْ أَحَدٍ مِنَ
السَّلَفِ حَلقَ اللِّحْيَةِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ لأَِنَّهُ لَمْ تَكُنْ بِهِمْ
حَاجَةٌ لِحَلقِهَا وَهُوَ عَادَتُهُمْ». ا هـ.
نَقُولُ: إِنَّ تَرْجِيحَ
المُؤَلِّفِ لِلقَوْلِ بِكَرَاهَةِ حَلقِ اللِّحْيَةِ تَرْجِيحٌ بَاطِلٌ لاَ
دَلِيلَ عَلَيْهِ. وَالأَدِلَّةُ الصَّحِيحَةُ تَقْتَضِي خِلاَفَهُ وَتَدُلُّ
عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ هُوَ القَوْلُ الأَوَّلُ وَهُوَ: تَحْرِيمُ حَلقِ
اللحْيةِ.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ
فِي «مَرَاتِبِ الإِجْمَاعِ» صَحِيفَة (157): «وَاتَّفَقُوا أَنَّ حَلقَ جَمِيعِ
اللِّحْيَةِ مثْلة لاَ تَجُوزُ». ا هـ.