×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الثاني

الأمر الرَّابع: ممَّا يُلاَحظُ على المؤلِّفِ قولُه عنِ الغناءِ: «إنَّه استحبَّه الإسلامُ في المناسباتِ...» إلخ.

لا ندْرِي من أين أخذَ هذا الاستحبابَ والإطلاقَ؟ وغايةَ ما في الأمرِ الرُّخْصَة بإنشادِ شيءٍ من الشِّعر للنِّساءِ والجوارِي خاصَّةً في مناسباتٍ معيَّنةٍ، قال شيخُ الإسلامِ ابن تيمية رحمه الله في «مجموع الفتاوى» (11/ 565): «ولكن رخَّص النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في أنواعٍ من اللَّهوِ في العرسِ ونحوه كما رخَّص للنِّساءِ أن يضرِبْنَ بالدُّفِّ في الأعراسِ والأفراحِ، وأمَّا الرِّجالُ على عهدِهِ فلم يكن أحدٌ منهم يضرِبُ بدُفٍّ ولا يصفِّقُ بكفٍّ، بل ثبتَ عنه في الصَّحيحِ أنَّه قال: «التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ، وَالتَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ» ([1])، و«لَعَنَ المُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، وَالمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ» ([2])، ولمَّا كان الغناءُ والضَّربُ بالدُّفِّ من عملِ النِّساءِ، كان السَّلفُ يسمُّون من يفعل ذلك من الرِّجالِ مُخنثًا، ويسمُّون الرِّجالَ المغنِّين مخَانيث، وهذا مشهورٌ في كلامِهم.

ومن هذا البابِ حديثُ عائشةَ رضي الله عنها لمَّا دخلَ عليها أبُوها رضي الله عنه في أيَّام العيدِ، وعندها جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتِ بِهِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أبمِزْمَارِ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وكان رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم مُعْرِضًا بوجْهِهِ عنهما مُقْبِلاً بوجهه الكريمِ إلى الحائطِ فقال: «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ» ([3]). ففي هذا الحديثِ بيانٌ أنَّ هذا لم يكن من عادَةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه الاجتماع


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (1203)، ومسلم رقم (422).

([2])أخرجه: البخاري رقم (5885).

([3])أخرجه: البخاري رقم (952)، ومسلم رقم (892).