شُرْبَ النَّبيذِ ويجعلُ سماعَ الغناءِ من الذُّنوبِ. وكذلكَ مذهبُ سائرِ أهلِ الكوفةِ؛ إبراهيمُ والشَّعبيُّ وحمَّادٌ والثَّوريُّ، وغيرهم لا اختلافَ بينهم في ذلكَ، وكذلكَ لا يُعْرَف بين أهلِ البصرةِ خلافٌ في كراهيةِ ذلكَ والمنعُ منهُ إلاَّ ما رويَ عن عبيدِ اللَّهِ بنِ الحسنِ العنبريِّ: أنَّه كان لا يَرى بِهِ باسًا. قالَ: وأمَّا مذهبُ الشَّافعيِّ فقال: الغناءُ مكروهٌ، ويشبهُ الباطلَ ومن استكثرَ منه فهو سفيهٌ تُرَدُّ شهادتُهُ، ثمَّ ذَكَرَ القرطبيُّ نقلاً عنِ ابنِ الجوزيِّ: أنَّ الإمامَ أحمد سُئِلَ عن رجلٍ ماتَ، وخلَّفَ ولدًا وجاريةً مغنِّيةً فاحتاجَ الصَّبيُّ إلى بيعِهَا فقالَ: تباعُ على أنَّها ساذجةٌ لا على أنَّها مغنِّيةٌ، فقيلَ له: إنَّها تساوي ثلاثينَ ألفًا، ولعلَّها إن بِيعتْ ساذجةً تساوي عشرينَ ألفًا فقال: لا تباعُ إلاَّ أنَّها ساذجةٌ. قال أبو الفرجِ: وإنَّما قالَ أحمدٌ هذا، لأنَّ هذه الجاريةَ المغنِّيةَ لا تغنِّي بقصائدِ الزُّهدِ بل بالأشعارِ المُطْرَبةِ المثيرةِ إلى العشقِ، وهذا دليلٌ على أنَّ الغناءَ محظورٌ إذ لو لم يَكُن محظورًا؛ ما جازَ تفويتُ المالِ على اليتيمِ، وصارَ هذا كقولِ أبي طلحةَ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: عندي خمر لأيتامٍ فقال: «أَرِقْهَا» ([1]). فلو جازَ استصلاحُهَا لمَا أمرَ بتضييعِ مالِ اليتامى. قال الطَّبريُّ: فقد أجمع علماءُ الأمصارِ على كراهةِ الغناءِ والمنعِ منه، وإنَّما فارقَ الجماعةِ إبراهيمُ بنُ سعدٍ وعبيدُ اللَّهِ العنبريُّ وقد قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الأَْعْظَمِ» ([2])، «وَمَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ مَاتَ مِيتَة جَاهِلِيَّةٌ» ([3]). ا هـ.
([1])أخرجه: أبو داود رقم (3675)، وأحمد رقم (12189).