وقالَ الإمامُ ابنُ
القيِّمِ في «إغاثة اللَّهفَانِ» (1/ 245) في ذِكْرِ أقوالِ العلماءِ في الغناءِ
نقلاً عمَّا ذكرَهُ أبو بكرٍ الطَّرطوشيِّ في كتابِهِ: «تحريم السَّماعِ» قال:
«أمَّا مالكٌ فإنَّه نهى عنِ الغناءِ وعن استماعِهِ، وقال: إذا اشْتَرَى جاريةً
فوجدَهَا مغنِّيةً كان له أن يَرُدها بالعيبِ، وسُئِلَ مالكٌ رحمه الله عمَّا
يرخصُ فيه أهلُ المدينةِ من الغناءِ فقال: إنَّما يفعلُهُ عندنا الفسَّاقُ. قال:
وأمَّا أبو حنيفةَ فإنَّه يكرهُ الغناءَ ويجعلُهُ من الذُّنوبِ، وكذلكَ مذهبِ أهلٍ
الكوفةِ سفيانُ وحمَّادُ وإبراهيمُ والشَّعبيُّ وغيرُهُم لا اختلافَ بينهم في
ذلكَ، ولا نعلمُ خلافًا أيضًا بين أهلِ البصرةِ في المنعِ مِنْهُ، قال ابنُ
القيِّمِ: قلتُ: مذهبَ أبي حنيفةَ في ذلكَ من أشدِّ المذاهبِ وقولُهُ فيه أغلَظُ
الأقوالِ، وقد صرَّحَ أصحابُهُ بتحريمِ سماعِ الملاهي كلِّها كالمزمارِ والدُّفِّ
حتَّى الضَّربَ بالقضيبِ، وصرَّحوا بأنَّه معصيةٌ يوجبُ الفسقَ وتردُّ به
الشَّهادةُ وأبلغُ من ذلكَ أنَّهم قالوا: إنَّ السَّماع فسقٌ والتَّلذُّذُ به
كفرٌ، هذا لفظُهُم، ورَوَوْا في ذلكَ حديثًا لا يصحُّ رفعُهُ.
قالوا: ويجبُ عليهِ أن يجتهدَ في أن لا يسمعُهُ إذا مرَّ به أو كانَ في جوارِهِ، وقالَ أبو يوسفَ في دارٍ يُسْمَعُ منها صوتُ المعازفِ والمَلاَهي: أدخل عليهم بغيرِ إذنِهِم لأنَّ النَّهيَ عنِ المنكرِ فرضٌ؛ فلو لم يَجُز الدُّخولُ بغيرِ إذنٍ لامتنعَ النَّاسُ من إقامةِ الفرضِ، وأمَّا الشَّافعيُّ فقالَ في كتابِ «أدب القضاءِ»: إنَّ الغناءَ لهوٌ مكروهٌ يشبه الباطلَ والمحال، ومن استكثرَ منهُ فهو سفيهٌ تُرَدُّ شهادتُهُ، وصرَّحَ أصحابُهُ العارفونَ بمذهبِهِ بتحريمِهِ وأنْكَروا على من نُسِبَ إليه حلُّه». إلى أن قالَ ابنُ القيِّمِ: «وأمَّا مذهبُ الإمامِ أحمدَ فقالَ عبدُ اللَّهِ ابنُهُ: سألتُ أبي عنِ الغناءِ؟ فقالَ: الغناءُ ينبتُ النِّفاقَ في القلبِ لا يعجبني، ثمَّ ذكرَ قولُ مالكٍ: إنَّما يفعلُه عندنا الفسَّاقُ».