التَّغليظِ في الإنكارِ لحسن رفعته لا سيَّما في
يومِ العيدِ، وقد كانَتْ عائِشَةُ رضي الله عنها صغيرةً في ذلك الوقت ولم يُنْقَلْ
عنها بعدَ بُلُوغِها وتَحْصِيلَها إلاَّ ذمَّ الغناءِ وقد كانَ ابنُ أخِيها القاسم
بن محمَّدٍ يذمُّ الغناءَ، ويمنعُ من سمَاعِه وقد أخذَ العِلْمَ عنها». ا هـ.
وقال النَّوويُّ في
«شرحه على صحيحِ مسلمٍ» (6/ 182): «قال القاضي: إنَّما كان غناؤُهما بما هو من
أشعارِ الحربِ والمُفاخرَةِ بالشَّجاعةِ والظُّهور والغلبةِ وهذا لا يهيِّجُ
الجواري على شرٍّ، ولا إنشادهما لذلك من الغناءِ المختلف فيه، وإنَّما هو رفع
الصَّوتِ بالإنشادِ، ولهذا قالت: «وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ» ([1])، أيْ: ليستا ممَّن
يتغنَّى بعادةِ المغنِّيات من التَّشويق والهوى والتَّعريض بالفَواحشِ والتَّشبيب
بأهلِ الجمالِ، وما يحرِّك النُّفوسَ، ويبعثُ الهوى والغزلَ، كما قيل: الغناءُ
رُقْيَةُ الزِّنا، وليستَا أيضًا ممَّن اشتُهِرَ، وعُرِفَ بإحسانِ الغناءِ الَّذي
فيه تمطيط و تكسيرٍ وعملٍ يحرِّك السَّاكنَ و يبعثُ الكامنَ، ولا ممَّن اتَّخذ ذلك
صنعةً وكسبًا، والعربُ تسمِّي الإنشادَ غناءً». ا هـ.
وقال الحافظُ ابنُ حجرٍ في «فتح الباري» (2/ 442، 443): «واستدلَّ جماعةٌ من الصُّوفيَّة بحديثِ البابِ «يعني: حديثَ غناءَ الجاريتين» على إباحةِ الغناءِ وسماعِهِ بآلةٍ وبغير آلةٍ، ويكفي في ردِّ ذلك تَصرِيحُ عائشةَ في الحديثِ الَّذي في البابِ بعده بقولها: «وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ» فنفَتْ عنهُمَا بطريقِ المعنى ما أثبته لهُمَا باللَّفظِ؛ لأنَّ الغناءَ يُطْلَقُ على رفعِ الصَّوتِ، وعلى التَّرنُّم الَّذي تسمِّيه الأعرابُ النَّصْب «بفتح النُّون وسكون المهملة» وعلى الحداءِ ولا يسمَّى فاعله مغنيًّا،
([1])أخرجه: البخاري رقم (952)، ومسلم رقم (892).