الزَّكيَّةِ يطولُ شرحُها ووصفُها، وله آثارٌ
محمودةٌ من خشوعِ القلبِ ودموعِ العينِ واقشعرارِ الجلدِ.
وهذا مذكورٌ في
القرآنِ، ثمَّ قالَ: وبالجملةِ فهذا السَّماعُ هو أصلُ الإيمانِ، ثمَّ قالَ:
وبالجملةِ فقد عُرِفَ من دينِ الإسلامِ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لمْ
يشرعْ لصالِحِي أمَّتِه وعبَّادِهم وزهَّادِهم أن يَجْتَمِعوا عَلَى استماعِ
الأبياتِ الملحَّنةِ معَ ضربٍ بالكفِّ أو ضربٍ بالقضيبِ والدُّفِّ. كما لم يبحْ
لأحدٍ أن يخرجَ عن متابعتِهِ، واتِّباعِ ما جاءَ بِهِ منَ الكتابِ والحكمةِ لا في
باطنِ الأمرِ ولا في ظاهرِهِ ولا لعاميِّ ولا لخاصيِّ، إلى أنْ قَالَ: ولهذا يوجدُ
منِ اعتادَهُ واغْتَذَى بِه لا يحنُّ إلى سماعِ القرآنِ، ولا يفرحُ بِهِ، ولا يجدُ
في سماعِ الآياتِ كما يجدُ في سماعِ الأبياتِ، بلْ إذا سَمِعُوا القرآنَ سمعُوهُ
بقلوبٍ لاهيةٍ، وألسنٍ لاغيةٍ، وإذا سَمعوا المكاءَ والتصديةَ خشعتِ الأصواتُ،
وسكنتِ الحركاتُ، وأصغتِ القلوبُ، وتعاطَتِ المشروبُ». ثمَّ قالَ رحمه الله في
موضعٍ آخرٍ: «فلمَّا كانَ هذا السَّماعُ لا يُعْطِي بنفسِهِ ما يحبُّهُ اللَّهُ
ورسولُهُ منَ الأحوالِ والمعارفِ، بل قد يصدُّ عن ذلكَ، ويُعطي ما لا يحبُّهَ
اللَّهُ ورسولُهُ أو يُبْغضه اللَّهُ ورسولُهُ، لمْ يأمرْ اللَّهُ بِهِ ولا
رسولُهُ ولا سلفُ الأئمَّةِ ولا أعيانُ مشايخِهِا. وبالجملةِ فعلى المؤمنِ أن
يعلمَ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يتركْ شيئًا يُقرِّبُ إلى الجنَّةِ
إلاَّ وقد حدَّثَ بِهِ ولا شيئًا يبعدُ عنِ النَّارِ إلاَّ وقد حدَّثَ بِهِ. وإنَّ
هذا السَّماعَ لو كانَ مصلحةٌ لشرَعَهُ اللَّهُ فإنَّ اللَّهَ يقولُ:﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ
لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ﴾ [المائدة: 3]، وإذا وُجِدَ فيهِ منفعةٌ لقلبِهِ، ولم يجدْ شاهدٌ ذلكَ لا
منَ الكتابِ ولا منَ السَّنَّةِ لم يلتفتْ إليهِ». انتهى المقصودُ من كلامِهِ رحمه
الله.