وقَالَ وهُوَ فِي سياق المَوْت: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ
أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»، يُحَذِّرُ مِثْلَ مَا صَنَعُوا، وَلَوْلاَ ذَلكَ
لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا([1]). وقَالَ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا
يُعْبَدُ» ([2])، وكُلُّ هَذَا وقع منهُ صلى الله عليه وسلم وهُوَ فِي المَدينة ثانية
الحَرَمين، فقَدْ خاف عَلَى أهلها من الوُقُوع فِي الشِّرْك.
ولمَّا رأى عُمرُ بن الخطَّاب رضي الله عنه ناسًا يختلفُون إِلَى الشَّجرة الَّتي وَقَعتْ تحتها بيعةُ الرِّضوان، أَمَر بقطعها سدًّا لوسيلة الشِّرْك وذريعتِهِ، والشَّجرةُ فِي الحُدَيبية فِي الحرم المكِّيِّ أو قريبةً منهُ، فلماذا يقُولُ الدُّكتُور عُمرُ - وَفَّقهُ اللَّه -: لا خوفَ عَلَى بلاد الحَرَمين من الشِّرْك وَالوثنيَّة؟! أليسَ هَذَا الَّذي ذَكرناهُ فيه الخوفُ عَلَى أهل الحَرَمين من الشِّرْك قبل غَيْرهم؟! فليسَ هُنَاك مكانٌ يعصمُ أَهْلهُ من الشِّرْك، ثُمَّ إنَّ الدُّكتُور - هَداهُ اللَّه - حملَ عَلَى الَّذين يُحذِّرُون من إحْيَاء آثار العَظيمين خوفًا عَلَى الأُمَّة من العواقب الوخيمة؛ لأنَّ ذَلِكَ من وَسَائل الشِّرْك، بل اتَّهمهُمْ - سامحه اللَّه - بأنَّهُم يُكفِّرُون المُسلمين، وَحَاشاهُم من ذَلِكَ، ولكنَّهُم يَخافُون عَلَيهم من الشِّرْك ولو عَلَى المدى البعيد إِذَا وُجِدَتْ وسائلُهُ، فإنَّ قومَ نُوحٍ لمَّا غَلَوْا فِي الصَّالحين، وَنصبُوا صُوَرهُم عَلَى مجالسهم بقَصْد الاقْتدَاء بهم فِي العبادة، وتذكُّر أحْوَالهم، لم يَطْمع الشَّيطان بصَرْفهم إِلَى الشِّرْك لوُجُود العُلمَاء فيهم، فلمَّا هلك هَذَا الجيلُ، وَمَات العُلماءُ، وجاء مَنْ بَعْدهم جيلٌ جُهَّالٌ، زَيَّن لهُمُ الشَّيطان عِبَادتها من دُون اللَّه، فَعَبدُوها.
([1])أخرجه: البخاري رقم (435)، ومسلم رقم (531).