ثُمَّ قَالَ الدُّكتُور: ولقَدْ ثبت أنَّ
النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فِي رِحْلَة الإسْرَاء والمِعْراج قَدْ صلَّى فِي
بعض الأمَاكن تَبرُّكًا بأصْحَابها، فَرَوى النِّسائيُّ فِي «المُجْتبي» حديثَ
الإسراء والمعراج بسندٍ صحيحٍ عن أَنَس بْن مالكٍ رضي الله عنه في كتاب الصَّلاة،
بَابُ فَرْض الصَّلاة، وفيه: «... فَسِرْتُ فَقَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ
فَصَلَّيْتُ. فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِطَيْبَةَ
وَإِلَيْهَا الْمُهَاجرة، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ فَصَلَّيْتُ، فَقَالَ:
أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِطُورِ سَيْنَاءَ حَيْثُ كَلَّمَ اللَّهُ
مُوسَى، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ فَصَلَّيْتُ. فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ
صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِبَيْتِ لَحْمٍ حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى عليه السلام...» ([1]) إِلَى آخر الحَديث، قَالَ الدُّكتُور: وهَذَا أصلٌ كبيرٌ فِي
تتبُّع آثَار الصَّالحين، والتَّبرُّك بها، والعبَادة فيها.. إِلَى أنْ قَالَ:
وفي هَذَا الحَديث نرى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى بطُور سَيْناء، وببَيْت
لحمٍ مَوْلد عيسى عليه السلام، فَسنَّ لنا بذَلِكَ سُنَّة الصَّلاة للَّه فِي
الأماكن المُبَاركة، وما مكَان مَوْلد عيسى عليه السلام بأفْضَل من مكَان مَوْلد
مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، فهَذَا الحديثُ أصلٌ كبيرٌ فِي تتبُّع المَوَاطن
المُبَاركة، وَالصَّلاة فيها للَّه... انتهَى كلامُهُ.
وَالجَوابُ عَمَّا قالهُ الدُّكتُور أن نَقُول:
أوَّلاً: هَذَا الحَديث الَّذي بُنيَتْ عَلَيْه هَذِهِ الأَحْكَام قَالَ عنهُ الإمامُ ابْنُ كثيرٍ فِي التَّفسير: هَذِهِ الرِّوايةُ فيها غَرابةٌ ونكارةٌ جدًّا، وهي فِي «سُنن النِّسائيِّ» فِي «المُجْتبى»، ولَمْ أرها فِي «الكبير»، وقَالَ أيضًا عَنْ صلاة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بيت لَحْمٍ إنَّها روايةٌ مُنْكرةٌ، وَعَلَى هَذَا فلا يَصحُّ للدُّكتُور الاستدلالُ بهَذَا الحَديث، ويبطلُ قولُهُ بأنَّهُ حَديثٌ صحيحٌ.
([1])أخرجه: النسائي رقم (450).