×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الثاني

 وسُنَّة رسُول اللَّه فِي المَدَارس، ويسمُّونهُ بالتَّلقين الببَّغائي، فَحَكمُوا عَلَى مَدَارسنا عُمُومًا، وَعَلَى عُلَماء الأُمَّة وَقَادتها الَّذين دَرسُوا كتابَ اللَّه وسُنَّة رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَحَفظُوا المُتُونَ العلميَّة فِي هَذِهِ المَدَارس مع شَرْحها بأنَّهُم بَبَّغاوات، ولم يَدْرُوا أنَّ الحفظَ هُو أَسَاسُ الفهم، وإنَّهُ لا عِلْمَ بدُونِ حِفْظٍ، وليسَ فِي المَدَارس تلقينٌ بدُون شَرْحٍ وتفهيمٍ، وهل نالَ سَلفُ الأُمَّة وأئمَّتها المَنازلَ العاليةَ فِي العِلْمِ إلاَّ عن طريق التَّلقين والحفظ والفَهْم، ولقَدْ صَار الحفظُ لقبَ فخرٍ واعتزازٍ لهُمْ حيثُ يُقَال: الحَافظُ ابْنُ كثيرٍ، والحَافظُ الذَّهبيُّ، والحافظُ ابْن حَجَر، وغَيْرهم وغَيْرهُم.

وَقَالَ أحدُهُم فِي الإمَام أحمد بْن حَنْبل رحمه الله: رَوَى أَلْف أَلْف من أَحَاديثَ أُسْندت، وأَثْبتها حفظًا بقَلْبٍ مُحصِّلٍ، وشبَّه رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم الحَفَظة لسُنَّته، والفُقَهاء فيها بالأَرْض الَّتي تُمْسكُ الماء، وتنبتُ الكلأَ للنَّاس، وإِذَا قُدِّر أنَّ بعضًا ممَّن يَحْفظُون النُّصُوصَ ولا يَفْهمُون معناها؛ فهَذَا رَاجعٌ إِلَى أَنَّهُم لم يُؤْتَوا فهمًا، أوْ إنَّهُم حَفظُوها بقَصْد النَّجاح فِي الامْتحَان لا يقصدُ معانيها، أَوْ لغير ذَلِكَ من المَقَاصد الَّتي حَرَمتهُم من الفَهْم، وهَؤُلاَء ليسُوا حُجَّةً عَلَى الأُمَّة المُحمَّديَّة فِي حِفْظِها لكتاب اللَّه وسُنَّة رسُولِهِ.

ثُمَّ إنَّ الببَّغاء فِي الحَقيقَة هُو الَّذي يُردِّدُ أقْوَالَ أعْدَاء الإِسْلاَم فِي التَّزهيد بالتَّلقين، وحِفْظِ كتَاب اللَّه، وسُنَّة رسُولِهِ، ومُخْتصرات الفُنُون مع شَرْحها، ويُريدُون من وَرَاء ذَلِكَ إبْعَادَ المُسْلِمِين عن دِينِهم كيْ لا يفهمُوهُ، ويقُومُوا بنَشْره، فَصَار هَؤُلاَء يُردِّدُون هَذِهِ المَقَالات دُون أن يَفْهمُوا المقصُودَ منها، فمَنْ هُو الببَّغاءُ إذًا؟! لكن كَمَا يُقَال: «رَمتْني بدَائهَا وانْسَلَّت».


الشرح