بما يَدْعُو إلَيْه، ولمَّا أعْطَى رسُولُ
اللَّه صلى الله عليه وسلم الرَّايةَ لعَليٍّ يومَ خَيْبر، قَالَ لهُ: «انْفُذْ
عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِْسْلاَمِ
وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ تَعَالى فِيهِ» ([1])، لَمْ يَقُلْ: ادْعُهُم إِلَى الإِسْلاَم فَقَط، بَلْ قَالَ لهُ: «وَأَخْبِرْهُمْ
بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ تَعَالى فِيهِ»، أيْ وَضِّحْ لَهُمْ
حَقيقتَهُ، والجَاهلُ لا يَسْتطيعُ القيامَ بذَلِكَ، ولأنَّ المدعُوَّ قَدْ يَكُونُ
عَلَى ضَلاَلٍ، ويظُنُّ أنَّ ما هُوَ عَلَيْه هُو الإِسْلاَم، فيحتاجُ إِلَى
بَيَانٍ، ولأنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ﴾ [النَّحل: 125]، وذَلِكَ بالرَّدِّ عَلَى
شُبُهَاتهمْ، وبَيَان ضَلاَلاتهم، وَالجَاهلُ لا يَسْتطيعُ الجدالَ بالَّتي هي
أحسنُ.
2- أنْ يَكُون الهَدَفُ من الدَّعوة طَلَبَ مَرْضاة اللَّه، ونَفْع العباد،
لا الرِّياء والسُّمعة، وطَلَب العُلُوِّ والرِّئاسة، أو التَّعظيم، أَو الطَّمع
فِي العَرَض العَاجل، فَهَذِهِ كُلُّها أهدافٌ شخصيَّةٌ وأَغْرَاضٌ رديَّةٌ، ولَيْست
دَعْوةً إِلَى اللَّه، وإنَّما هي دَعْوةٌ إلى النَّفس، وقَدْ قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: ﴿أَدۡعُوٓاْ
إِلَى ٱللَّهِۚ﴾ [يُوسف: 108].
وَكَذَلك لا تَكُونُ الدَّعوةُ إِلَى مَتْبُوعٍ غَيْر رسُول اللَّه صلى
الله عليه وسلم، وَلاَ إِلَى حِزْبٍ أوْ مَذْهبٍ أو مَبْدإٍ غَيْر سُنَّة رسُول
اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَلاَ تَكُون الدَّعْوة لأَجْل الحُصُول عَلَى نَفْعٍ
مادِّيٍّ، ولهَذَا يقُولُ تَعَالَى لنبيِّه: ﴿قُلۡ مَآ أَسَۡٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍ﴾ [الفرقان: 57].
3- أَنْ يَبْدأَ فِي دعوتِهِ النَّاسَ بإصْلاَح العَقيدة، ثُمَّ يَتدرَّجُ إِلَى إصْلاَح ما سِوَاهَا، كَمَا قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لمُعَاذٍ لمَّا بَعَثهُ إِلَى اليَمن: «إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ
([1])أخرجه: البخاري رقم (2942)، ومسلم رقم (2406).