فالقَوْلُ بحُرِّيَّة الأدْيَان قولٌ باطلٌ يلزمُ عَلَيْه تَعْطيلُ الجهَاد
فِي سَبيل اللَّه، وقَدْ قَالَ اللَّهُ: ﴿وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ
لِلَّهِۖ﴾ [البقرة: 193]، ويَلْزمُ عَلَيْه أنَّهُ لا حَاجَة إِلَى إرْسَال
الرُّسُل، وإنْزَال الكُتُب للأَمْر بعبَادَة اللَّه وَحْدهُ، وَيلزَم عَلَيْه
أنَّهُ لا يَجُوزُ قتلُ المُرتدِّ الَّذي أمرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم
بقَتْله فِي قَوْله: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» ([1])، إنَّما يقُولُ بحُرِّيَّة الأديان أَهْلُ وَحْدة الوُجُود الَّذين يَرَون
أنَّ كُلَّ مَعبُودٍ هُوَ اللَّهُ، تَعَالَى اللَّهُ عمَّا يقُولُون، ويَلْتقي
هَذَا القولُ الباطلُ مع قَوْل المُشْركين لما أَمَرهم أنْبيَاؤُهُم بعبَادَة
اللَّه وَحْده، وتَرْك عبادة ما سوَاهُ، فقالُوا: ﴿وَقَالُواْ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا
سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا﴾ [نوح: 23]، وَقَالُوا: ﴿أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ
عُجَابٞ﴾ [ص: 5].
وأمَّا قولُهُ تَعَالَى: ﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ﴾ [البقرة: 256] الَّذي يَتعلَّقُ به أَهْلُ هَذَا
القَوْل بغَيْر حقٍّ، فالآيةُ لا تَعْني ما يُريدُون.
قَالَ الإمامُ ابْنُ كَثِيرٍ رحمه الله: «يقُولُ تَعَالَى: ﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ﴾ [البقرة: 256]، أيْ: لا تُكْرهُوا أحدًا عَلَى الدُّخُول فِي دين الإِسْلاَم، فإنَّهُ بَيِّنٌ واضحٌ جليٌّ، دَلائلُهُ وبراهينُهُ لا تحتاجُ إِلَى أن يُكْرَه أحدٌ عَلَى الدُّخُول فيه، بَلْ مَنْ هَدَاهُ اللَّه للإِسْلاَم، وشَرَح صَدْرهُ، ونَوَّر بصيرتَهُ، دَخَل فيه عَلَى بَيِّنةٍ، ومَنْ أعْمَى اللَّه قلبَهُ، وخَتَم عَلَى سمعِهِ وبَصَره، فإنَّهُ لا يُفيدُهُ الدُّخُولُ فِي الدِّين مُكْرهًا مقصُورًا، وقَدْ ذكرُوا أنَّ سببَ نُزُول هَذِهِ الآية فِي قَوْم منَ الأنْصَار وإنْ كَانَ حُكمُها عامًّا، وذكرَ عن ابْن جريرٍ أنَّ قومًا منَ الأنْصَار كَانَ لهُم أبناءٌ عَلَى دينِ النَّصارى، فأَرَاد آباؤُهُم إكْرَاهَهُم عَلَى الدُّخُول فِي الإِسْلاَم».
([1])أخرجه: البخاري رقم (3017).