×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الثاني

وأقُولُ: هَذَا المَنْع مُتَعيَّنٌ من أجل سدِّ الطُّرُق المُفْضية إِلَى الشِّرْك، منَ التَّبرُّك بها، وَالاعْتقَاد فيهَا، وهَذَا هُوَ عَمَل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأَصْحَابه مَعَها، فلَمْ يكُونُوا يَهْتمُّون بهَذِهِ الآثَار ولاَ يَذْهبُون إلَيْها، فلَمْ يكُنْ صلى الله عليه وسلم بَعْد البَعْثة يذهبُ إِلَى غَار حرَاء، ولاَ إِلَى غَار ثورٍ، ولا إِلَى مَوْضع غَزْوة بدرٍ، ولا إِلَى المَكَان الَّذي وُلِدَ فيه من مكَّة، ولا كَانَ يفعلُ ذَلِكَ أَحدٌ من أصحابِهِ، بَلْ إنَّ عُمَر رضي الله عنه قَطعَ الشَّجرةَ الَّتي وَقَعتْ تحتها بيعة الرِّضوانُ عامَ الحُدَيبية لمَّا رَأَى بعضَ النَّاس يَذْهبُون إلَيْها، فَقَطعها خَشْية الغُلُوِّ بِهَا، وَلمَّا قَالَ بَعْضُ الصَّحَابة حَديثي العَهْد بالإِسْلاَم للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ أيْ: شَجَرة يَتَبرَّكُون بها كَمَا يَفْعلُهُ المُشْركُون، قَالَ: «قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: ﴿ٱجۡعَل لَّنَآ إِلَٰهٗا كَمَا لَهُمۡ ءَالِهَةٞۚ [الأعراف: 138] » ([1])، فَالتَّبرُّكُ بالآثَار وإحْيَاؤُها وَسيلةٌ إِلَى الشِّرْك، وَعبَادة غَيْر اللَّه سبحانه وتعالى، كَمَا حَصَل لقَوْم نُوحٍ لمَّا غَلَوْا بآثَار الصَّالحين حتَّى آلَ بِهِم الأمرُ إِلَى عبَادَتها من دُون اللَّه عز وجل، وهَذَا ما أنْكَرهُ عُلَماءُ نَجْد وغَيْرهم من أَهْل السُّنَّة، وإِذَا عملَ عَلَى إحْيَائها وتَتبُّعها، أدَّى هَذَا إِلَى الشِّرْك بحُجَّة أنَّها آثَار أنْبيَاء أَوْ أُنَاسٍ صَالِحِين، ومَا هَلَك مَنْ هَلَك من الأُمَم إلاَّ بتَتبُّع آثَار أنْبيَائهم والغُلُوِّ فيهَا، وهَذَا ما يُريدُهُ شَياطينُ الإنْس وَالجنِّ.

10- وممَّا عَابهُ عَلَيْهم: مَنْع كتَابة «بُرْدة البُوصيري» عَلَى الجُدْران.

وأقُولُ: هَذَا المَنْعُ هُو الصَّوابُ؛ لمَا فيها وَفِي أمْثَالها من الغُلُوِّ والشِّركيَّات الَّتي لا تَخْفى عَلَى ذي بَصيرَةٍ مثلَ قَوْله فِي حقِّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:

يَا أَكْرَمَ الخَلْق ما لي من أَلُوذُ به *** سوَاك عندَ حُلُول الحَادث العَمَمِ


الشرح

([1])أخرجه: الترمذي رقم (2180)، وأحمد رقم (21897)، والطبراني في الكبير رقم (3291).