لأَِخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا
أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ» ([1]).
وقد يرِدُّ فِي الكتَاب والسُّنَّة ما يُفْهمُ منهُ أنَّ هَذَا القولَ أَو
العَمَل أو الاعْتقَاد كفرٌ، ولا يَكْفُرُ مَن اتَّصف به، لوُجُود مَانعٍ يَمْنعُ
من كُفْره، وهَذَا الحُكْمُ كغَيْره من الأحْكَام الَّتي لا تتمُّ إلاَّ بوُجُود
أَسْبَابها وشُرُوطها، وَانْتفَاء مَوَانعها كَمَا فِي الإِرْثِ، سَبَبه القَرابةُ
مثلاً، وقَدْ لاَ يرثُ بِهَا لوُجُود مَانِعٍ كاخْتلاَف الدِّين، وَهَكذا الكُفْرُ
يُكْرهُ عَلَيْه المُؤمنُ فلا يَكْفُرُ به، وقَدْ يَنْطقُ المُسلمُ بكَلمَة
الكُفْر لغَلَبة فرحٍ أوْ غضبٍ أو نَحْوهما، فَلاَ يكفُرُ بها لعَدَم القَصْد، كَمَا
فِي قصَّة الَّذي قَالَ: «اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ
مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ» ([2]).
والتَّسرُّعُ فِي التَّكفير يَترتَّبُ عَلَيْه أُمُورٌ خَطيرةٌ من
اسْتحلاَل الدَّمِ والمالِ، ومَنْع التَّوارُث، وفَسْخ النِّكاح، وغَيْرها ممَّا
يَترتَّبُ عَلَى الرِّدَّة، فكَيْف يَسُوغُ للمُؤْمن أن يُقْدم عَلَيْه لأدْنَى
شُبهةٍ؟
وإِذَا كَانَ هَذَا فِي وُلاَة الأُمُور كَانَ أشدَّ؛ لمَا يترتَّبُ
عَلَيْه منَ التَّمرُّد عَلَيْهم، وحَمْل السِّلاح عَلَيْهم، وإشَاعَة الفَوْضى،
وسَفْك الدِّماء، وفَسَاد العبَاد والبلاَد، ولهَذَا مَنعَ النَّبيُّ صلَّى
اللَّهُ عَلَيْه وَعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَسلَّم من مُنَابَذتهم، فَقَالَ: «إِلاَّ
أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ فِيهِ مِنَ اللَّهِ بُرْهَانٌ» ([3]).
فأفَاد قَوْلهُ: «إِلاَّ أَنْ تَرَوْا»، أنَّهُ لا يَكْفي مُجرَّد الظَّنِّ والإشَاعَة.
([1])أخرجه: البخاري رقم (6104)، ومسلم رقم (60).