×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الثاني

وقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَآ أَرَدۡنَآ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡيَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيۡهَا ٱلۡقَوۡلُ فَدَمَّرۡنَٰهَا تَدۡمِيرٗا [الإسراء: 16].

وقَدْ حَدَث فِي هَذَا الزَّمان ما يُسمَّى بالاصْطيَاف والسِّياحة، وَصار النَّاسُ يَتهيَّؤُون لهُ، ويعدُّون لهُ عُدَّتهُ، ويحسبُونَ لهُ حسابَهُ، حتَّى صَارَ جُزءًا من حَيَاتهم، يَرْصُدُون لهُ المَبَالغ من دَخْلهم، حتَّى إِذَا حانَ وقتُهُ، رَحلُوا بعَائلاَتهم وثِقَلِهِم، وَتَركُوا بُيُوتَهُم وبَلَدهُم، وهَذَا فِي حَدِّ ذاتِهِ لا غُبارَ عَلَيْه إِذَا كَانَ القصدُ منهُ تَغْييرُ الجوِّ، وَالاسْتمتَاع بمَا أنْعَمَ اللَّهُ به من المَنَاظر الجَميلة، وَطيب الهَوَاء، وبُرُودة الجوِّ مع المُحَافظة عَلَى الدِّين ومَكَارم الأخْلاَق، والبُعْد عن سَفَاسف الأُمُور، ويكُونُ ذَلِكَ دَاخل بلاَد المُسْلِمِين، ويُكْتفى به عن السَّفر إِلَى خَارج البلاَد تَفاديًا لمَا فِي ذَلِكَ السَّفر من مَخَاطرَ دِينيَّةٍ وأَمْنيَّةٍ وأَخْلاقيَّةٍ، وَلكنَّنا نَرى - مَعَ الأسَف - أُنَاسًا يُريدُون أن يُغيِّرُوا صَفْوَ هَذَا الاصْطيَاف، وَيُدْخلُوا فيه ما يَتنافَى مَعَ الدِّين والأخْلاَق وخَصَائص هَذِهِ البلاَد؛ طمعًا فِي المادَّة واجْتذَاب النَّاس ولَوْ عَلَى حسَاب الدِّين، فتَرَاهُم يَتَسابقُون إِلَى أشْكَالٍ من الدِّعايات الغَريبَة المُريبَة من إقَامَة الحَفَلات الغنائيَّة، واجْتلاَب المُطْربين والمُطْربات، وإقَامَة السَّهرات للرِّجال والنِّساء، وتَنْويع المَلاَهي والألْعَاب المُسفِّهة للأخْلاَق، وأخْطَرُ من ذَلِكَ جَلْبُ السَّحَرة والمُشَعْوذين باسْم الألْعَاب البَهْلوانيَّة والسِّيرك ممَّا حقيقتُهُ السِّحرُ التَّخييليُّ والقُمْرة، وادِّعاء أنَّ المُشعوذَ يَسْحبُ السَّيَّارة بشَعَره، ويُثْني الأسياخَ بعينِهِ، وهَذَا كَذبٌ وتَدْجيلٌ، وسحرٌ وتخييلٌ، وهُوَ من جِنْسِ سِحْرِ قَوْم فِرْعَون الَّذي قَالَ اللَّهُ فيه: ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمۡ وَعِصِيُّهُمۡ يُخَيَّلُ إِلَيۡهِ مِن سِحۡرِهِمۡ أَنَّهَا تَسۡعَىٰ [طه: 66].


الشرح