المسلمين شيءٌ منه، وذلك من بابِ سدِّ
الذَّريعة، فإنَّه يُحَرِّمُ الاعتداءَ عليهم بغيرِ حقٍّ، ويحترم حُقوقَ المعاهدين
والذِّمِّيِّين والمستأمنين منهم، ويحرِّم دِمَاءَهم وأمْوَالَهم، ويجعلُ لهم من
الحقوقِ ما للمسلمين وعليهم منها ما على المُسْلِمِينَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ إِذَا عَٰهَدتُّمۡ وَلَا تَنقُضُواْ
ٱلۡأَيۡمَٰنَ بَعۡدَ تَوۡكِيدِهَا﴾ [النحل: 91]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسُۡٔولٗا﴾ [الإسراء: 34]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ثُمَّ لَمۡ يَنقُصُوكُمۡ
شَيۡٔٗا وَلَمۡ يُظَٰهِرُواْ عَلَيۡكُمۡ أَحَدٗا فَأَتِمُّوٓاْ إِلَيۡهِمۡ عَهۡدَهُمۡ إِلَىٰ
مُدَّتِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: 4] قال عبدُ اللَّهِ بن رواحة لمَّا
بعثَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَيبر لخرصِ الثِّمارِ من أجلِ
استحصَالِ الخرَاجِ من اليهودِ فأرادَ اليهودُ أن يرشوه من أجلِ أن يتساهَلَ معهم
فقال رضي الله عنه: «يا إخوان القردة لأنتم أبغض شيء إليَّ في هَذِهِ الدُّنيا،
ولا يحمِلُني بغْضِي لكم أن أظْلِمَكُم». فقالوا: بهذا قامَت السَّمواتُ
والأرضُ. وكذلك لا مانع من التَّعاملِ مع الكفَّارِ بالبيعِ والشِّراءِ والمؤاجرة،
وقدِ اشترى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من يهوديٍّ طعامًا لأهلِهِ ورهَنَ
درْعَهُ عِندَه، وكان يأكُلُ من طعامِ اليهودِ ويُجِيبُ دَعوتَهم، وكانَ صلى الله
عليه وسلم يعقِدُ المُصَالحات مع الكفَّارِ؛ كصُلحِ الحُديبيةِ مع المشركين،
والصُّلحُ مع اليهودِ في المدينةِ، والصُّلحُ مع نصَارَى نجْرَان، ويأمر بحُسنِ
الجوارِ، والإحسانِ إِلَى الأسرى كمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ
مِسۡكِينٗا وَيَتِيمٗا وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: 8]، وكان صلى الله عليه وسلم يفي لهم
بعهْدِه معهم، وقد أمر اللَّهُ الولدَ بالإحسانِ إِلَى والديه الكَافِرَينِ فقَالَ
تعَالى: ﴿وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَيَّۚ﴾ [لقمان: 15]، وحتَّى في حالةِ غَزْوِنا للكفَّارِ
لقتالِهِم كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يأمرُنا بدعوتِهم إِلَى اللَّهِ قبلَ
قِتَالِهم، وينهى عن قتْلِ شُيوخِهِم ورُهبَانِهم