إيمانٍ ورِدَّة بعد إسلامٍ. ومن ثَمَّ ألَّفَ
العلماءُ كُتبًا بيَّنوا فيها نواقضَ الإسلامِ وجعَلُوا في كتبِ الفقْهِ بابًا
سمَّوه: بابَ حكمِ المرتدِّ. قالوا: والمرتدُّ هو الَّذي يكفرُ بعد إسلامِه بقولٍ
أو فعلٍ أو اعتقادٍ أو شكٍّ. وذكروا أدلَّة ذلك من الكتابِ والسُّنَّة تحذيرًا
للمسلمين من الوُقوعِ في شيءٍ من هَذِهِ النَّواقض، وردًّا على من يزعُم أنَّه لا
يرتدُّ أحدٌ بعد إسلامِه ولا يُحْكَمُ على أحدٍ بالرِّدَّة مهمَا قال ومهمَا فعل
ومهمَا اعتقد. والصَّحابة بعد وفاةِ رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قاتلوا
المرتدِّين الَّذين امتنعوا من أداءِ الزَّكاة وزعموا أنَّ وجوبَ أدائها انتهى
بوفاةِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم.
وهؤلاءِ الكُتَّاب المعاصِرُون يَرَوْن أنَّ بيانَ هَذَا الأمر للنَّاسِ
وأنَّ الحُكْم على مَنِ ارتكب ناقضًا من نواقضِ الإسلامِ بالرِّدَّة يعتبر من
الغُلوِّ والتَّشدُّد والتَّكفير للنَّاس بغيرِ حقٍّ، ولا يعتبرون ارتكابَ شيءٍ من
نواقض الإسلامِ مروقًا من الدِّين وخروجًا من المِلَّة. وهذا المسلكُ الَّذي سلكوه
يُعتبر مُخالفًا للكتابِ والسُّنَّة ولِمَا أجمعَ عليه علماءُ الأمَّةِ من الحُكمِ
بالرِّدَّة والكُفرِ على من يستحقُّها، وأنَّ هَذِهِ من النَّصيحة للَّه ولكتابِه
ولرسولِه ولأئمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهم هَذَا من حيثُ العموم. وأمَّا الحكمُ
بالرِّدَّة على شخصٍ معيَّنٍ فإنَّما يُرْجَعُ فيه إِلَى العلماءِ المعتبرينَ
والقُضاة الشَّرعيِّين؛ دفعًا للفوضى في الأحكامِ وحمايةً للمسلمين من أحكامِ
الجهلةِ والطّغام؛ لأنَّ الحُكم بالرِّدَّة على شخصٍ يقتضِي مفارقة زَوجتِه له
ومُصادَرة أمْوالِه وحِرْمَانِه من الإرْثِ من قَرِيبِه وحرمان قَريبه من إرْثِه
منه. ثمَّ إنَّ المُرتدَّ إذا ثبتتَ رِدَّته فإنَّه يُسْتتابُ فإن تابَ قُبِلَت
توبَتُهُ، فاللَّهُ تعالى يَتوبُ على من تابَ. قَالَ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي يَقۡبَلُ
ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَعۡفُواْ عَنِ ٱلسَّئَِّاتِ وَيَعۡلَمُ مَا
تَفۡعَلُونَ ٢٥ وَيَسۡتَجِيبُ
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۚ
وَٱلۡكَٰفِرُونَ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞ﴾ [الشورى: 25، 26]،