فقَالَ تعالى: ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ثُمَّ لَمۡ
يَنقُصُوكُمۡ شَيۡٔٗا وَلَمۡ يُظَٰهِرُواْ عَلَيۡكُمۡ أَحَدٗا فَأَتِمُّوٓاْ إِلَيۡهِمۡ عَهۡدَهُمۡ إِلَىٰ مُدَّتِهِمۡۚ إِنَّ
ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: 4] وحرَّم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قتْلَ المُعَاهَدِ من
الكفَّارِ، فقالَ كمَا في الصَّحيحِ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ
رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» ([1]). هَذَا هو التَّعاملُ مع الكفَّارِ على ضوءِ الكتابِ والسُّنَّة، وهو
تعاملٌ يتضمَّن حِفظ الدِّين وحِفظ ذمَّة المُسْلِمِينَ، وكذلك يجُوزُ للمسلمينَ
التَّعامل مع الكُفَّارِ بالبيعِ والشِّراءِ والاتِّجارِ لمُباحٍ. وأبَاحَ اللَّهُ
لنا الاستفادةَ من خبراتِ الكفَّارِ، وكلُّ هَذِهِ الأمورِ مع البُغْضِ لهم في
القُلوبِ؛ لأنَّ اللَّهَ يَبغَضُهُم. قَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوّٞ لِّلۡكَٰفِرِينَ﴾ [البقرة: 98]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي
وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ﴾ [الممتحنة: 1] ولا يجوزُ الخَلطُ بينَ ما أباحَ اللَّهُ وما حرَّمَ
اللَّهُ في حقِّ الكُفَّارِ بل لا بدَّ من التَّفصيلِ والبيانِ.
قال الأستاذُ أبو السَّمحِ: «فنَحْنُ وهم
خُلَفاءُ اللَّهِ في الأرضِ لإعمارِهَا ومعرفَةِ أسرارِ الكونِ وتَطْوِيعِهَا دون
تَفرِقةٍ» ونقول:
أوَّلاً: قَولُكُ: خُلفاء اللَّهِ:
هَذَا اللَّفظُ لا يجُوزُ؛ لأنَّ اللَّهَ ليسَ له خليفةٌ كمَا نبَّه على ذلكَ
شَيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية رحمه الله وغيره، وإنَّما النَّاسُ هُمُ الَّذين
يَخْلُفُ بعضُهم بعضًا في الأرضِ. كمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَآءَ ٱلۡأَرۡضِۗ﴾ [النمل: 62] هَذَا معنى الخَليفَةِ.
ثانيًا: الأرضُ كلُّها للَّه يُورِثُها من يشاءُ من عبادِهِ كمَا قالَ مُوسَى عليه السلام: ﴿إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: 128]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّٰلِحُونَ﴾ [الأنبياء: 105]، ولمَّا قال مُسيلمَةُ الكذَّابُ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الأَرضَ بيني وبينكَ نصفَانِ». قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «الأَْرْضَ لِلَّهِ
([1])أخرجه: البخاري رقم (3166).