له، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «سَدِّدُوا
وَقَارِبُوا» ([1]) فالمسلم معتدل لا
يتشدد ولا يتساهل، فلا إفراط ولا تفريط، وقد بيّن القرآن لنا نموذجًا من الذين
شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم، لا سيّما اليهود حينما أمرهم الله أن يذبحوا
بقرة، فشدّدوا على أنفسهم في أسئلتهم: ما هي؟ ما لونها؟ حتى شدَّد اللهُ عليهم،
وحتى ضاقت عليهم البقر، فقالـوا: ﴿إِنَّ ٱلۡبَقَرَ تَشَٰبَهَ عَلَيۡنَا﴾ [البقرة: 70]،
لماذا تشابه عليهم؟ لأنهم شدّدوا على أنفسهم، ولو أنهم جاؤوا إلى أي بقرة فذبحوها
لقضي الأمر، ولكن تشدّدوا في تعيينها، وفي النهاية ذبحوها وما كادوا يفعلون، فمن
شدَّد شدَّدَ اللهُ عليه.
وقوله: «في رواية ابن داسة أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة...» ابن داسة وأبوه دخلا على أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر لهم صلاة أمير المدينة عمر بن عبد العزيز رحمه الله هذا الذي يُلحق بالخلفاء الراشدين لعدله واستقامتِه وعِلْمِه وزُهدِه وورعِه وخوفِه من الله، ومع ذلك كان معتدلاً مقتديًا بالرسول صلى الله عليه وسلم، وصلَّى بهم أنس صلاةً خفيفة كأنَّها صلاةُ مسافِر، فسألوه: أهذه نافلة أم هي الفريضة؟ قال: إنَّها الفريضة، وإنَّها صفة صلاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنَّه كان لا يشقّ على أمَّتِه، ويخفِّفُ الصَّلاة مع الإتمام، فيتم ركوعها وسجودها، ويراعي حال المأمومين، فيخفّف الصلاة لئلاَّ يشُقَّ عليهم .
([1])أخرجه: البخاري رقم (6463).