وصار من الأئمة من هم حُدَثاء الأسنان، فصاروا يغيِّرون في الصلوات حسب رغباتهم، ويشقّون على المأمومـين، ويتعمّقون في القراءة والترتيل والتمطيط، وفي الغُنَّة والإدغـام، وتقطيع الآيات وتكريرها أو استعمال مكبرات الصوت ذات الصدى العالي، حتى إنك لا تسمع ما يقرأ القارئ من اختلاط الأصوات، فالواجب على أئمة المساجد - هداهم الله - أن يتّقوا الله ويؤدوا الصلاة على الصفة التي صلاها بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنها أمانةٌ في ذمَّتِهم، والذين خَلْفهم رعيَّة لهم، فإنهم إن أحسنوا فلهم ولمن صلَّى معهم، وإن أساؤوا فعليهم إثم إساءتهم، وتغيير صفة الصلاة سنّة الخوارج الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ...»، فقد كان عندهم تشدّد في العبادة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ» فإنهم كانوا يطيلون الصلاة، ولذلك صارت وجوههم كأثفان الإبل من طول السجود، وتقرّحت ركبهم من التشدّد والتنطّع في الصلاة، وكانوا يسهرون الليل في العبادة، لكنهم ينهجون منهج الخروج على الأئمة ويكفِّرون المسلمين. فالحاصل: أنهم رغم كثرة صلاتهم إلاَّ أنهم ذُمُّوا عليها؛ لأنَّ فيها التشدّد والغلوّ، وهو خلاف سنّة النبي عليه الصلاة والسلام، فديننا دِين الوسط والاعتدال، فنم أول الليل وقُمْ آخره، وصلِّ ما تيسر لك، فلا تَنَم الليل كله، ولا تَقُم الليل كله، وإنما تنام وتقوم، كما قال صلى الله عليه وسلم: «وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ» ([1])، هذا هو الاعتدال، وهذه هي السُّنَّة، لكن
([1])أخرجه: البخاري رقم (5063)، ومسلم رقم (1401).