وقوله: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ([1])، قد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم ووضّح هذا المعنى بفعله، فإنَّ الصحابة رضي الله عنهم رمَقوا صلاته ففعلوا مثل ما فعل، ونحن لسنا نطالب الأئمة والمصلّين في صلاتهم أن يصلّوا مثل صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم تمامًا، فإنَّ هذا قد لا يطاق، ولكن عليهم الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في الجُملة، بحيث أن يصلوا صلاة معتدلة: إتمامًا وتخفيفًا، إتمامًا يعني: تطويلاً من غير إمْلال ومشقة، وتخفيفـًا من غير إخلال بالصلاة. أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد أعطي من القوة والرغبة في الخير ما لم يُعط غيره، فقد قام صلى الله عليه وسلم حتى تفطّرت قدماه، ومن يطيق ذلك؟ وقرأ بالبقرة وآل عمران والنساء في صلاة واحدة فمن يطيق هذا؟ وكان ركوعه وسجوده نحوًا من قيامه، لكن المقصود الاقتداء به في الجملة، لذلك لما صلّى الصحابة القيام في رمضان في خلافة عمر رضي الله عنه خلفَ إمام واحد، صلّوا ثلاثًا وعشرين ركعة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد على إحدى عشرة أو ثلاث عشرة، وذلك لأنهم خفّفوا الصلاة وزادوا في عدد الركعات رحمة بالمأمومين، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة لكنهم لا يطيقون صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فخففوا الصلاة مع زيادة العدد رحمة بالناس، ولأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدّد في رمضان عددًا معيّنًا، بل رغّب في القيام وقال: «مَنْ قَامَ مَعَ الإِْمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ» ([2])، وقال: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ([3]).
([1])أخرجه: البخاري رقم (631).