سبق بيانه، والقراءة تختلف باختلاف القرّاء،
فربما يقرأ قارئ سورة قصيرة فتصبح أطول من غيرها بسبب تكلّفه في القراءة، وإخراج
القراءة عن حدها بالمدود والغُنَّة وغير ذلك من أحكام التجويد الذي يدّعونه ولا
يتقنونه، أو بغير ذلك من الاجتهادات لبعض المتعالمين، حيث إنهم يعمدون إلى تطبيق
أفكارهم واجتهاداتهم على الناس، ولو أخلَّ فعلهم بصفة الصلاة، فعلى من تصدّى لهذا
الأمر أن يراعي هذه المسألة. والحاصل: أنه ليس معنى التخفيف الإخلال
بالصلاة، بل التخفيف الذي معه إتمام وإحسان، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم
يقرأ بالصافات، وهي سورة طويلة، لكن مع ذلك رأى الصحابة أنها تخفيف لسهولة قراءة
النبي صلى الله عليه وسلم وعدم التكلف فيها، خلاف ما يفعله بعض الأئمة.
فالذي أثنى عليه الراوي كان يتشبَّه بصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم
ذكر المقياس الذي يسير عليه هذا الإمام، حيث كان يقرأ في المغرب من قصار المفصل،
وفي الفجر من طوال المفصل، وفي البواقي من أوساط المفصل.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ طُولَ صَلاَةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ، مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ..» المقصود: أنَّ إطالة صلاة الجمعة وقصر الخطبة علامة على الفقه والفهم، ثم قال: «فَأَطِيلُوا الصَّلاَةَ وَأَقْصِرُوا الْخُطْبَةَ»، فهو أولاً أثنى على الذي يطيل صلاة الجمعة ويقصر الخطبة، ثم إنه أمر بذلك، أي: بإطالة الصلاة وقصر الخطبة، فهذا هو هديه عليه الصلاة والسلام في خطبة الجمعة وصلاتها. فكان صلى الله عليه وسلم يخطب بكلمات معدودات، وكان يطيل الصلاة فيقرأ تارة بالجمعة والمنافقون، وتارة يقرأ بسبح باسم ربك الأعلى