×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثاني

 التشبّه بأهل الكتاب، ومن ذلك أنه لما أفاض النبي صلى الله عليه وسلم من مزدلفة صبيحة يوم العيد أمر الفضل بن العباس أن يلقط له حصى جمرة العقبة، وهذا فيه أنَّ الحصى لا يقتصر التقاطه من مزدلفة، وإنما يؤخذ من الطريق أو من مِنى، فلقط له الفضل سبع حصيات، يرمي بها جمرة العقبة، ودلَّ على أنه لا يتعيّن أن يلقط جميع حصى الأيام الثلاثة من مكان واحد، وإنما يلتقط حصى كل يوم بيومه من المكان الذي هو فيه من الحرم.

أمّا صفة هذه الحصيات: فهي أمثال حصى الخَذْف، أي: ما يخذف على رؤوس الأصابع، وقد حدَّدهُ العلماء بأنه أكبر من حب الحمص بقليل، فأخذ صلى الله عليه وسلم هذه الحصيات، ونفخ فيها، ثم قال: «أَمْثَالَ هَؤُلاَءِ فَارْمُوا»يعني: في الحجم، وقال: «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ» لئلا يرى أحدٌ أن مثل هذه الحصيات صغيرة، وأنها لا تفي بالغرض، فيختار حجارة أكبر منها، فإنَّ هذا هو الغلوّ والتنطّع في دين الله، وهذا تحذير منه صلى الله عليه وسلم من الغلوّ عمومًا، وإن كان السبب في هذه الحصيات، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

وقوله: «وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ» أي: الزيادة عن هذا المقدار من الحصى وحجمها، وهذا أيضًا في جميع أمور العبادات، «فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ» يعني بذلك: أهل الكتاب، ولهذا قال: ﴿يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ وَلَا تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ [النساء: 171]، وقال: ﴿قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ [المائدة: 77]،


الشرح