من الحصى التي رمى بها النبي صلى الله عليه
وسلم، إلاَّ أنَّ الحكم عام، فقوله صلى الله عليه وسلم: «وَإِيَّاكُمْ
وَالْغُلُوُّ» الغُلوّ هنا عام؛ لأنَّ «الـ» الاستغراقية تتمثل في جميع أنواع
الغُلوّ وفي جميع أمور الدين. فالدين - ولله الحمد - توقيفي ومبيَّن بالأدلة من
فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وعمله وإقراره، فما على المسلم إلاَّ أن
يتفقَّه في دين الله، وأن يعرف المشروع والممنوع حتى يؤدِّي العبادة على أصولها
وعلى حدودها الشرعية.
وقوله: «والغلوّ مجاوزة
الحد...» هذا تعريف الغلو بأنه الزيادة في الشيء، وهو من قولهم: غَلَى القدْر:
إذا زاد غلي الماء فيه بسبب النار حتى يرتفع ويطيش الماء. وأما من ناحية الشرع:
فالغُلوّ: هو الزِّيادة في الدِّين بإحداث شيءٍ على غير ما شرعه الله سبحانه
وتعالى أو الزيادة على ما شرعه الله على وجه التقرب إلى الله - بزعم صاحبه -
والله جل وعلا لا يرضى من الدين إلاَّ ما شرعه على لسان رسوله صلى الله
عليه وسلم، ومن الغلوّ غلوّ النصارى في المسيح حينما مدحوه، حتى رفعوه إلى
مرتبة الألوهية. ومن الغلوّ كذلك الغلوّ في مدح نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم
حتى يُرفع إلى مرتبة الألوهية، كما تفعل المتصوفة والقبوريَّة الذين يقول قائلهم:
يا أكرمَ الخلق ما لي مَنْ ألوذُ بهِ*** سِواكَ عِنْد حُلول الحادثِ
العَممِ
إن لم يكُن في معادي آخذًا بيدي*** فضلاً وإلاَّ فقلْ يا زلَّة القَدَمِ
فإنَّ مِن جُودِكَ الدُّنيا وضَرَّتَها*** ومِنْ عُلومِك عِلْمُ اللَّوح
والقلمِ
فهذا غلو وإطراء بحقِّ النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أنَّ القائل نسيَ الله وقال: ما لي من ألوذ به سواك، مع أنَّ الله هو المستعان وهو الـمُستغاث، وهو الملاذُ والمعاذ سبحانه وتعالى يُجير ولا يجار عليه، إلى أن نسبَ إلى