×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثاني

كما تراه في النَّصارى. وذلك يقتضي أنَّ مجانبة هَدْيِهم مطلقًا أبعدُ عن الوقوع فيما به هلكوا، وأنَّ المشارك لهم في بعض هديهم يُـخاف عليه أن يكون هالكًا.

***

يعني: أنَّ من الأمور التي نُهينا عن التشبُّه بأهل الكتاب فيها: الغلوّ في الدِّين، فإنَّ النصارى قد بالغوا في العبادة، حتى أحدثوا رهبانية ما كتبها الله عليهم، ثم إنهم لم يقوموا بها حقّ القيام؛ لأنَّ الغلوّ ينقطع صاحبه. ومن ذلك غُلوّهم في المسيح عليه السلام، حتى رفعوه إلى مرتبة الألوهية، وجعلوه ابن الله، أو ثالث ثلاثة، أو جعلوه هو الله بزعمهم، تعالى الله عما يقولون، حيث ذكر الله مقالاتهم في القرآن العظيم، فالسبب في هذا الغلوّ هو خروجهم عن الحدِّ المشروع، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم عندما أخذ حصى الجمار بيده وهي حصى صغيرة أراد أن يبيِّن للأمة المطلوب، فأخذها بيده لكي يراها الناس، حتى لا يحصل الغلوّ من بعض من لا علم عنده، فيأتوا بحصى كبار ظنًّا منهم أنها أنكى وأشدّ من الصغار وأنَّ الأجر فيها أعظم، كما يزيّنه شياطين الإنس والجن لبعض الجهلة من هذه الأُمَّة. وقد سمعنا أنَّ بعض الحجّاج يغالون في رمي الـجِمار، ويأخذون حجارةً كبيرةً يرمون بها الشيطان بزعمهم، ويرون أنَّها أنكى وأضرُّ للشيطان، وبعضهم يرمي بالأحذية، وكلُّ هذا من الغلوِّ في الدِّين، ومخالفة هدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. ومن هذا أنَّ قومًا سألوا عن عبادة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولما أُخبروا عنها كأنهم تقالّوها فقال أحدهم: أمَّا أنا فأصلي ولا أنام، وقال الآخر: أمَّا أنا فأصوم ولا أُفطر، وقال الثالث: أما أنا فلا أتزوج النِّساء - يريد بذلك التبتُّل


الشرح