أي: اليوم الذي خطب فيه صلى الله عليه وسلم، وهو يوم عرفة، «فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» يعني: مكة، «فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» يعني: شهر ذي الحجة، فاجتمعت في هذا اليوم ثلاث حرمات، فدم المسلم وعِرضه وماله حرام كحرمة هذه الأشياء الثلاثة، مما يدلّ على مكانة المسلم عند الله عز وجل. وقوله: «أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ» هذا نوع آخر في هذه الخطبة المباركة، وهو إبطال أمور الجاهلية، أي: كل ما كانت تتفاخر به من تعاظمها بالآباء، وافتخارها بالأنساب، وأكل الربا، والمطالبة بالثارات، ووضع الدماء. فبدأ بدم ابن ربيعة بن الحارث من بني هاشم؛ لأنَّه قُتل في الجاهلية وهو صغير، فالرسول صلى الله عليه وسلم أوقف المطالبة به؛ لأنَّ ذلك وقع في الجاهلية، وأمَّا في الإسلام، فإنَّ الدماء يُطالب بها إذا سُفكت بغير حق، فيجوز حينها لولي الدَّم أن يطالب بالدية. قال تعالى: ﴿وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومٗا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلۡطَٰنٗا﴾ [الإسراء: 33]. وأما قوله: «وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ» يعني: باطل. وقوله صلى الله عليه وسلم: «فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ...» هذا موضوع آخر مهم من موضوعات هذه الخطبة المباركة، وهي مسألة النساء التي هي مشكلة العصور، وفتنة الأجيال، فإنَّ النساء فتنتهنّ عظيمة للرجال، وقد جُبل كلّ من الرجال والنساء على الميل للآخر، وإنما جُعل هذا الميل ليحصل المقصود وهو بقاء النسل، ورتّب الله طريقًا شرعيًّا وهو الزواج، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون؛ لأنه استمتاع بوضع الشهوة في غير موضعها، ومفاسده عظيمة وخطيرة على المجتمع من تضييع الأعراض واختلاط الأنساب، ولهذا