×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثاني

وسورة الأنعام من عند قوله تعالى: ﴿وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلۡحَرۡثِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ نَصِيبٗا [الأنعام: 136] إلى قوله:﴿قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوٓاْ أَوۡلَٰدَهُمۡ سَفَهَۢا بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ [الأنعام: 140] إلى آخر السورة خطاب مع هؤلاء الضرب، ولهذا يقول تعالى في أثنائها: ﴿سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشۡرَكۡنَا وَلَآ ءَابَآؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن شَيۡءٖۚ [الأنعام: 148]، ومعلوم أنَّ مبدأ هذا التحريم تَرْك الأمور المباحة تديُّنًا، وأصل هذا التدين هو من التشبّه بالكفار، وإن لم يكن يقصد المتديِّن التشبّه بهم.

***

قال الله جل وعلا: ﴿وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ قَتۡلَ أَوۡلَٰدِهِمۡ شُرَكَآؤُهُمۡ لِيُرۡدُوهُمۡ وَلِيَلۡبِسُواْ عَلَيۡهِمۡ دِينَهُمۡۖ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُۖ فَذَرۡهُمۡ وَمَا يَفۡتَرُونَ ١٣٧ وَقَالُواْ هَٰذِهِۦٓ أَنۡعَٰمٞ وَحَرۡثٌ حِجۡرٞ لَّا يَطۡعَمُهَآ إِلَّا مَن نَّشَآءُ بِزَعۡمِهِمۡ وَأَنۡعَٰمٌ حُرِّمَتۡ ظُهُورُهَا وَأَنۡعَٰمٞ لَّا يَذۡكُرُونَ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا ٱفۡتِرَآءً عَلَيۡهِۚ سَيَجۡزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ [الأنعام: 137- 138]، وقال تعالى: ﴿وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلۡحَرۡثِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ نَصِيبٗا فَقَالُواْ هَٰذَا لِلَّهِ بِزَعۡمِهِمۡ وَهَٰذَا لِشُرَكَآئِنَاۖ [الأنعام: 136]، يتبيّن لنا من هذه الآيات أنَّ المشركـين أشركوا الأصنام في أموالهم؛ لأنَّ حبها قد تأصّل فيهم، فلقد جعلوا الزرع على قسمين: قسم لله وقسم للأصنام، فإذا جاء السيل أو الريح فاحتمل شيئًا من قسم الله إلى قسم الصنم، قالوا: الله غني والصنم ضعيف، فلا يردّونه إلى قسم الله، وإذا حملت الريح أو حمل السيل شيئًا مما هو حق الصنم إلى قسم الله، قالوا: إنَّ الله غني عن هذا، وردّوه إلى قسم الصنم، قال سبحانه يصف ذلك:﴿وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلۡحَرۡثِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ نَصِيبٗا فَقَالُواْ هَٰذَا لِلَّهِ بِزَعۡمِهِمۡ وَهَٰذَا لِشُرَكَآئِنَاۖ  


الشرح