×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثاني

فقد تبيَّن لك أنَّ مِن أصل دروس دِين الله وشرائعه، وظهور الكفر والمعاصي: التشبه بالكافرين، كما أنَّ مِن أصل كل خير: المحافظة على سُننِ الأنبياءِ وشرائعِهم، ولهذا عظُم وَقْع البدع بالدِّين وإن لم يكن فيها تشبّه بالكفار، فكيف إذا جَمعت الوصفَين؟ ولهذا جاء في الحديث: «مَا ابْتَدَعَ قَوْمٌ بِدْعَةً فِي دِينِهِمْ إلاَّ نَزَعَ اللهُ مِنْ سُنَّتِهِمْ مِثْلَهَا» ([1]).

***

يعني: أنَّ التشبه مذموم ومرذول من ناحيتين:

الأولى: أنَّ هذا التشبّه يسبِّب اندراس دين الإسلام، واستقدام دين غيره، لأننا إذا تشبهنا بهم في عباداتهم وفي دينهم، فمعناه أننا استبدلنا الذي هو أدنى بالذي هو خير، فكلما كثر التشبّه، صار ذلك نقصًا في ديننا.

الناحية الثانية: أنَّ التشبّه بهم في حدِّ ذاته منهيٌّ عنه، إمَّا نهي تحريم، وإما نهي كراهة، فإذًا التشبّه بهم ممنوع مطلقًا؛ لأنَّ في هذا التشبّه طمس لمعالم ديننا وإظهار لغيره، ولأنَّ في التشبّه إظهار المحبة للمتشبَّه به، ومن هذا إحداث البدع، فالبدع: هي ما أُحدث في الدين مما ليس منه، فإنَّ البدعة تحلُّ محلَّ السُّنّة، فبذلك تصير البدع هي الدين، وتصير السنن غير الدين، فالسُّنَّة والبدعة لا تجتمعان. وقد جاء في الأثر: أنَّه في آخر الزمان تكثر البدع، حتى إذا غُيرت البدع قيل: غُيِّرت السُّنّة؛ لأنَّ الناس يتخذونها دينًا وسُنَّة، فإذا غُيِّرت البدع استنكروا هذا، لا سيّما مع طول الزمان والممارسة، ولذلك إذا جاء مسلم ودعا إلى إحياء السُّنَّة أنكروا عليه؛ لأنهم ألِفوا البدعة وتركوا السُّنّة، فصارت السُّنَّة منكرة والبدعة معروفة عندهم.


الشرح

([1])أخرجه: الدارمي (98)، وابن وضاح في «البدع» رقم (90).