وأيضًا: فعن عمرو بن ميمون
الأزدي، قال: قال عمر رضي الله عنه: كان أهلُ الجاهليةِ لا يفيضونَ من جَمْع حتى
تَطلُعَ الشَّمسُ، ويقولون: أشرق ثَبير كَيْما نُغير، قال: فخالفهم النبيُّ صلى
الله عليه وسلم، وأفاضَ قبل طُلوعِ الشَّمس ([1])، وقد رُوي في هذا
الحديث فيما أظنه أنَّه قال: «خَالَفَ هَدْيُنَا هَدْيَ الْمُشْرِكِينَ» وكذلك
كانوا يفيضون من عرفات قبل الغروب، فخالفهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالإفاضة
بعد الغروب، ولهذا صار الوقوف إلى ما بعد الغروب واجبًا عند جماهير العلماء،
ورُكنًا عند بعضهم، وكرهوا شدة الإسفار صبيحة جَمْع.ثم الحديث قد ذُكر فيه قَصْد
المخالفة للمشركين.
***
المشركون كانوا يحجّون البيت، وهذا الحج هو ما ورثوا من بقايا دِين إبراهيم عليه السلام، إلاَّ أنهم أحدثوا فيه أشياء مبتدعة من عند أنفسهم، فلما بعث الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم، أعاد الحج على ملة إبراهيم. ومن الأمور التي ابتدعوها: أنهم كانوا إذا لبّوا قالـوا: لبيك لا شريك لك، إلاَّ شريكًا هو لك، تملكه وما ملَك، فهم زادوا: إلاَّ شريكًا هو لك، يشيرون بذلك إلى معبوداتهم؛ لأنهم اتخذوها بزعمهم وسائط فيما بينهم وبين الله، وشفعاء لهم عند الله - عز وجل. ومن الأمور التي ابتدعوها: عدم الوقوف بعرفة، وكان هذا للحُمس من قريش خاصة، فإنهم لا يذهبون للوقوف بعرفة، وإنما يقفون في مزدلفة، ويقولون: نحن أهل الحرَم، فلا نخرج من الحرَم، فخالفهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وذهب إلى عرفة ووقف فيها، وكانوا يظنّون أنَّه سيقف معهم في مزدلفة،
([1])أخرجه: البخاري رقم (1684).