×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثاني

ومنها ما يعود بترك إكرامهم وإلزامهم الصَّغار الذي شرعه الله تعالى. ومن المعلوم أنَّ تعظيم أعيادهم ونحوها بالموافقة فيها هو نوع من إكرامهم، فإنهم يفرحون بذلك، ويُسرُّون به، كما يغتمّون بإهمال أمر دِينهم الباطل.

الوجه الثاني من دلائل الإجماع: أنَّ هذه القاعدة قد أمر بها غير واحد مِن الصحابة والتابعين في أوقات متفرقة، وقضايا متعددة، وانتشرت ولم يُنكرها منكِر. عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ أَحْمَسَ يُقَالُ لَهَا زَيْنَبُ، فَرَآهَا لاَ تتَكَلَّمُ، فَقَالَ: مَا لَهَا لاَ تَتَكَلَّمُ؟ قَالُوا: حَجَّتْ مُصْمِتَةً، قَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي فَإِنَّ هَذَا لاَ يَحِلُّ، هَذَا مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ. فَتَكَلَّمَتْ فَقَالَتْ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: امْرُؤٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، قَالَتْ: أَيُّ الْمُهَاجِرِينَ؟ قَالَ: مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَتْ: مِنْ أَيِّ قُرَيْشٍ أَنْتَ؟ قَالَ: إِنَّكِ لَسَئُولٌ أَنَا أَبُو بَكْرٍ. قَالَتْ: مَا بَقَاؤُنَا عَلَى هَذَا الأَْمْرِ الصَّالِحِ الَّذِي جَاءَ اللَّهُ بِهِ بَعْدَ الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: بَقَاؤُكُمْ عَلَيْهِ مَا اسْتَقَامَتْ بِكُمْ أَئِمَّتُكُمْ، قَالَتْ: وَمَا الأَْئِمَّةُ؟ قَالَ: أَمَا كَانَ لِقَوْمِكِ رُءُوسٌ وَأَشْرَافٌ يَأْمُرُونَهُمْ فَيُطِيعُونَهُمْ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَهُمْ أُولَئِكِ عَلَى النَّاسِ. رواه البخاري في «صحيحه» ([1]). فأخبر أبو بكر: أنَّ الصمت المطلق لا يحلّ، وعقَّب ذلك بقوله: هذا من عَمل الجاهلية، قاصدًا بذلك عيب هذا العمل وذمَّه. وتعقيب الحكم بالوصف دليل على أنَّ الوصف علَّة، فدلّ على أن كونه من عمل الجاهلية وصفٌ يوجب النهي عنه والمنع منه. ومعنى قوله: مـن عمل الجاهلية، أي: إنه مما انفرد به


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (3834).