×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثاني

فعمر رضي الله عنه عاب على كعب الأحبار مضاهاة اليهودية، أي: مشابهتها في مجرد استقبال الصخرة، لما فيه مِن مشابهة مَن يعتقدها قِبلة باقية، وإن كان المسلم لا يقصد أن يصلي إليها. وقد كان لعمر رضي الله عنه في هذا الباب من السِّياسات المحكمة ما هي مناسبة لسائر سيرته الـمَرضِيّة، فإنَّه رضي الله عنه هو الذي استحالت ذَنوب الإسلام بيده غربًا ([1]). فلم يَفْرِ عَبْقَرِيٌّ فَرِيَّهُ، حتى صدر الناس بعطن، فأعزَّ الإسلام، وأذلَّ الكفر وأهله، وأقـام شعار الدين الحنيف. ومنع من كل أمرٍ فيه نزوع إلى نقض عُرَى الإسلام، مطيعًا في ذلك لله ورسوله، وقّافًا عند كتاب الله، ممتثلاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، محتذيًا حَذو صاحبيه، مشاورًا في أموره للسابقين الأولين، مثل: عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وأُبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، وغيرهم ممن له علم أو فقه أو رأي أو نصيحة للإسلام وأهلِه، حتى إنَّ العُمدة في الشّروط على أهل الكتاب على شروطه. وحتى منع من استعمال كافر، أو ائتمانه على أمر الأُمَّة، وإعزازه بعد إذ أذلَّه الله. وحتى رُوي عنه أنّه أحرق الكتب العجميّة وغيرها. وهو الذي منع أهل البدع أن يَنْبغُوا وألبسهم ثوب الصَّغار، حيث فعل بصبيغ بن عسل التميمي ما فعل في قصته المشهورة، وستأتي عند ذكرها إن شاء الله تعالى في خصوص أعياد الكفار، من النهي عن الدخول عليهم فيها، ومن النهي عن تعلّم رطانة الأعاجم، ما يتبيّن به ثبوت قوة شكيمته في النهي عن مشابهة الكفار والأعاجم. ثم


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (2398).