ما كان عمر رضي
الله عنه، قد قرره من السُّنن والأحكام والحدود، فعثمان رضي الله عنه أقـرَّ ما
فعله عمر، وجرى على سُنَّته في ذلك. فقد عُلم موافقة عثمان لعمر في هذا الباب.
***
قوله: «فعمر رضي الله
عنه عاب على كعب الأحبار مضاهاة اليهودية...» لأنَّ الصخرة هي قبلة اليهود،
والنصارى كانوا يستقبلون المشرق، والمسلمون يستقبلون الكعبة المشرفة، ولقد توجّهوا
إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا في أول الإسلام، ثم نُسخت القِبلة وحُوِّلت من
استقبال بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة في مكة المكرمة بأمر الله سبحانه وتعالى
حيث قال: ﴿فَوَلِّ
وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ
وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥۗ﴾ [البقرة: 144]، إذًا العمل يكون بالناسخ لا بالمنسوخ،
ومن بقي على العمل بالمنسوخ يكون كافرًا؛ لأنَّه مكذِّب لله ولرسوله ولإجماع
المسلمين، وعمر رضي الله عنه فَطِنَ لذلك فلم يجعل الصخرة بينه وبين الكعبة، لئلا
يشبه فعله مَن يصلي إلى الصخرة من اليهود، لئلا يحتج به من يحتج فيما بعد، فعمر
رضي الله عنه لحذقه وفطنته قطع هذه الذريعة، واعتبر هذا من مضاهاة اليهود.
قوله: «وقد كان لعمر رضي الله عنه في هذا الباب من السياسات المحكمة ما هي مناسبة...» المقصود: أنَّ عمر رضي الله عنه كان له بُعْد نظر، وفراسة اختص بها رضي الله عنه، حتى قال صلى الله عليه وسلم فيه: «قَدْ كَانَ يَكُونُ فِي الأُْمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهُمْ» ([1]) وقـد وافقـه القرآن في مسائل قال بها، مثل: حجاب نساء النبيِّ صلى الله عليه وسلم،
([1])إشارة للحديث الذي أخرجه: البخاري رقم (3633).