الوجه الثالث سيذكره.
الوجه الثالث في
تقرير الإجماع: ما ذكره عامَّة علماء الإسلام من المتقدمين، والأئمة المتبوعين،
وأصحابهم في تعليل النهي عن أشياء بمخالفة الكفار، أو مخالفة النّصارى، أو مخالفة
الأعاجم، وهو أكثر من أن يمكن استقصاؤه. وما مِن أحد له أدنى نظرٍ في الفقه، إلاَّ
وقد بلغه من ذلك طائفة، وهذا بعد التأمل والنظر يورث عِلمًا ضروريًا باتّفاق
الأئمة على النهي عن موافقة الكفار والأعاجم، والأمر بمخالفتهم. وأنا أذكر من ذلك
نُـكتًا لمذاهب الأئمة المتبوعين اليوم، مع ما تقدم في أثناء الكلام من غير واحد
من العلماء. فمن ذلك: أنَّ الأصل المستقَر عليه في مذهب أبي حنيفة: أنَّ تأخير
الصلاة أفضل من تعجيلها، إلاَّ في مواضع يستثنونها، كاستثناء يوم الغيم، وكتعجيل
الظُّهر في الشتاء، وإن كان غيرهم من العلماء يقول: إن الأصل أنَّ التعجيل أفضل،
فيستحبّون تأخير الفجر، والعصر، والعشاء، والظهر، إلاَّ في الشتاء في غير الغيم.
ثم قالوا: يُستحب تعجيل المغرب؛ لأنَّ تأخيرها مكروه لما فيه من التشبُّه
باليهود.وهذا أيضًا قول سائر الأئمة، وهذه العلَّة منصوصة كما تقدم، وقالوا أيضًا:
يُكره السجود في الطاق؛ لأنَّه يشبه صنيع أهل الكتاب من حيث تخصيص الإمام بالمكان،
بخـلاف ما إذا كـان سجوده في الطاق. وهذا أيضًا ظاهر مذهب أحمد وغيره، وفيه آثار صحيحة
عن الصحابة: ابن مسعود وغيره.
***
قوله: «الوجه الثالث في تقرير الإجماع: ما ذكره عامّة علماء الإسلام...» حاصل هذا الكلام: أنَّ الشيخ رحمه الله يوجز نتيجة ما مرَّ من الأقوال الواردة في منع التشبّه بغير المسلمين من سائر الكفرة، سواء