ولأصحابنا في
القوس الفارسية ونحوها كلامٌ طويلٌ ليس هذا موضعَه، وإنما نبَّهتُ بذلك على أنَّ
ما لم يكن من هَدْي المسلمين، بل هو من هَدْي العَجَم أو نحوهم، وإن ظهرت فائدتُه
ووضحت منفعتُه تراهم يتردَّدون فيه ويختلفون، لِتعارُض الدَّليلَينِ: دليلِ ملازمة
الهَـدْي الأوَّل، ودليل استعمال هذا الذي فيه منفعة بلا مضرَّةٍ، مع أنَّه ليس من
العبادات وتوابعِها، وإنما هو من الأمور الدُّنيوية.
***
تقدّم أكثر من مرة ذِكْرُ أنَّ الواجب مخالفة غير المسلمين فيما هو من عباداتهم، وكذلك ما هو من عاداتهم الخاصة بهم؛ لأنَّ التشبّه بهم في ذلك يجرُّ إلى محبَّتهم وموافقتهم، ولأنَّ ديننا - ولله الحمد - أغنانا الله به، بما شرعه فيه من مصالح الدنيا والدين، بحيث لا نحتاج معه إلى أن نستورد معه أعمال الكفار وعاداتهم الخاصة بهم، لنعتزَّ بديننا، ونتميَّز به عن غيرنا. قَال َ تَعَالَى: ﴿كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: 110]، فكيف لأمّة هي خير أمّةٍ أُخرجت للناس يكون من أفرادها من يتنكَّر لهذه الخيرية، ويستورد من عبادات الكفّار وأعمالهم ما يَدُلُّ على أنَّ ديننا بحاجة إلى أن يُكمَّل من دين الكفار وعاداتهم، أو ما يسبب مودتهم ومحبتهم، فلا حول ولا قوة إلاَّ بالله! ومثل هذا كثير الآن كما هو واضح ومُشاهد، فلا يحلو في ذوق كثير من الناس إلاَّ ما كان مستوردًا من عادات الكفار وتقاليدهم، حتى في اللغة، وفي اللباس، فنرى الرجال والنساء يتزّيون بزيّ الكفار: في أبدانهم، وفي ملابسهم، وفي كلامهم، وفي هيئة الأكل، وهيئة الشرب، وفي الدعوات والولائم التي تُقام، وحتى في التحيّة عند اللقاء، وغير ذلك