وفي حديث آخر
روِّيناه بإسناد صحيح من حديث سعيد الجُرَيريِّ، عن أبي نَضْرة حدثني - أو قال:
حدثنا - مَن شَهد خُطبةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمنًى في وَسْط أيامِ التَّشريق
وهو على بعير فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ألا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ
أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، ألا لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ وَلاَ لِعَجَمِيٍّ
عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلاَ أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ
إلاَّ بِالتَّقْوَى، أَلاَ قد بَلَّغْتُ؟؟» قَالُوا: نعم، قال: «لِيُبَلِّغِ
الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» ورُوي هذا الحديث عن أبي نَضْرةَ، عن جابرٍ ([1]).
***
النبيُّ صلى الله عليه وسلم ألغى هذه العُبِّـيّـة، وهذا التفاخر والتطاوُل على الناس بغير حقٍّ، وأرجع الأمرَ إلى التَّقوى، وهذا كما في الآية: ﴿أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ﴾ فقد خطب بذلك صلى الله عليه وسلم في حجَّة الوداع. وذلك حينما خطب في حجة الوداع في ثاني أيام التشريق، علَّم فيها الناس أحكام النفر من مِنًى، وطواف الوداع، وأوصاهم صلى الله عليه وسلم بعدَّة وصايا، من ذلك: أنه أبطل ما كانوا يعملونه في الجاهلية، فقد كانوا يحجون ويجتمعون في منًى، لا لذكـر الله عز وجل وإنما لذكر آبائهم، كلٌّ يفتخر بآبائه وقبيلته في منًى، والرسول صلى الله عليه وسلم أبطل هذا التفاخر بالآباء، والله جل وعلا يقول: ﴿لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَبۡتَغُواْ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكُمۡۚ فَإِذَآ أَفَضۡتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلۡمَشۡعَرِ ٱلۡحَرَامِۖ وَٱذۡكُرُوهُ كَمَا هَدَىٰكُمۡ وَإِن كُنتُم مِّن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ ١٩٨ ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ١٩٩ فَإِذَا قَضَيۡتُم
([1])أخرجه: أحمد رقم (23489)، والبيهقي رقم (4774).