وفي «صحيح مسلم» ([1])، عن يزيدَ بن
الأصَمِّ، عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كَانَ
الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَذَهَبَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ فَارِسَ - أَوْ قَالَ:
مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ - حَتَّى يَتَنَاوَلَهُ»، وفي رواية ثالثة: «لَوْ كَانَ
الْعِلْمُ بِالثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ» ([2]).
***
وقد ظهر مصداق هذا الحديث الشريف في أوقات متعدِّدة مدى العصور، فقد وُجد من أهل فارس رجالٌ برزوا في الإيمان وفي العلم، كما هو معلوم من كُتب التراجم والتاريخ، ومن آثارهم العلمية التي خلَّفوها. فها هو سِيبويه يبرّز في اللغة العربية، وهو رجلٌ أعجمي، وهذا أبو حنيفة رحمه الله أوَّل الأئمة الأربعة كان أعجميًّا فارسيًّا، وهذا الإمام البخاري في الحديث، وغيرهم الكثير في شتَّى المجالات، فهذا مصداقٌ لقوله تعالى: ﴿وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُواْ﴾ [الجمعة: 3] ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كَانَ الإِْيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا» يعني: في السماء «لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ» يعني: بجدِّهم واجتهاهم وإيمانهم، ولم يضرهم كونهم من العجم، والأصل في هذا قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ﴾ [الحجرات: 13] وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلاَ لأَِبْيَضَ عَلَى أَسْوَدَ إلاَّ بِالتَّقْوَى،، كُلُّهُمْ لآِدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ». ثم إنَّ في قوله تعالى: ﴿وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم﴾ [محمد: 38] دليل على أنَّ الله يحفظ هذا الدين، ويهيِّئ له من يقوم به على مرِّ العصور، ومن شتَّى الأجناس، فإذا تولى عنه قوم من
([1])أخرجه: مسلم رقم (2546).