×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثاني

 ومِصْداقُ ذلك ما وُجد في التابعينَ ومَن بعدَهم من أبناء فارسَ الأحرار والموالي، مثل: الحسنِ، وابن سِيرينَ، وعِكْرمة مولى ابن عبّاس وغيرِهم إلى مَن وُجد بعد ذلك فيهم من المبرِّزين في الإيمان والدِّين والعلم، حتّى صار هؤلاء المبرِّزين في ذلك أفضلَ من أكثرِ العربِ. وكذلك في سائر أصناف العَجَم: من الحبشَة والرُّوم والتُّرك، وبينهم سابقون في الإيمان والدِّين لا يُحصَون كثرة على ما هو معروف عند العلماء.

***

العرب، فقد ييسِّر الله قومًا آخرين من العجم؛ لأنَّ هذا الدين ليس للعرب وحدهم، وإنما هو للبشرية كلها، فإذا أعرض عنه قوم، فإنَّ الله يقيّض له قومًا آخرين إلى أن تقوم الساعة، بل ورد: «وَإِنَّ اللهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» ([1]). فهذا الدِّين محفوظ بحفظ الله سبحانه وتعالى لا يضرُّه تخلُّفُ مَن تخلَّف عنه، بل به ينتفع الناس جميعًا ﴿وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ [يوسف: 21] يفعل ما يشاء، لا يَغلبُه شيءٌ ولا يَرُدُّ حُكمه رادٌّ. قال بعض خلفاء بني أمية لما ذكر له العلماء الذين سادوا العباد والبلاد، فقال: هل هم من العرب أو الموالي؟ قالوا: من الموالي، قال: إنَّ هذا العلم من اتصف به ساد. وقد ذكر الشيخ جملة منهم فيما يأتي.

أي: مصداق ما جاء في الآية والحديث اللَّذين مضى ذكرهما، في أنَّ الإيمان لو كان عنـد الثُّريا لتناولَه رجل أو رجال من أهل فارس، فيما ظهر من الأئمة المبرِّزين من الفرس ومن الأعاجم،


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (3062)، ومسلم رقم (111).