ولهذا روى أبو
داودَ ([1]) وغيرُه من حديث
الثوريِّ: حدَّثني أبو موسى، عن وَهْب بن مُنبِّه، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما،
عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم - قال سفيان مرّةً: ولا أعلمُه إلاَّ عن النبيِّ
صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ جَفَا، وَمَنِ اتَّبَعَ
الصَّيْدَ غَفَلَ، وَمَنِ اتَّبَعَ السُّلْطَانَ افْتُتِنَ».
***
من ينكر قاعدة سد الذرائع، وذلك لبُعدهم عن سماع
القرآن ومعرفة السُّنن، ومعرفة ما افترضه الله من فرائض وما حرَّمه من محرَّمات،
فهم أيضًا أجدر ألاَّ يعلموا كيف يؤدون الواجبات من صلاة وصيام وحج وغير ذلك، فهم
أقرب إلى الجهل بهذه الأمور بحكم أنهم يعيشون في البادية، بخلاف أهل الحاضرة،
فإنَّ الحاضرة كان فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، والعلماء، وفيها المساجد
والدروس والمحاضرات، فساكنها أقرب إلى معرفة حدود الله من ساكن البادية، ولهذا
يُنهى عن التَّعرُّب، وترك الهجرة إلى الحاضرة والتَّفقه في دين الله، لقوله
تعالى: ﴿وَمَا
كَانَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةٗۚ فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ
قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ﴾ [التوبة: 122].
الشاهد في هذا قوله: «مَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ جَفَا» أي: صار من الأعراب الذي من طبعهم غِلَظ القلوب وقساوتها، فلا يَرِقُّ لمعروف أو صِلَةِ رَحِمٍ، وفي هذا دليل على ما سبق ذكره مِن: أنَّ البادية في الغالب تكون سببًا للجفاء؛ لأنها أبعد عن العلم وعن معرفة أحكام
([1])أخرجه: أبو داود رقم (2859)، والترمذي رقم (2256)، والنسائي في «الكبرى» رقم (4802)، وأحمد رقم (3362).