الله سبحانه وتعالى
وأقرب إلى الجهل، فلذلك ذُمَّت البادية وذُمَّ التَّعرب، ولهذا قال: «مَنْ
سَكَنَ الْبَادِيَةَ جَفَا»، ومفهومُه: أنَّ من سكن الحاضرة كان أقرب إلى
معرفة الحق، فالبيئة لها تأثير على من أقام فيها.
وقوله: «وَمَنِ
اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ»: حيث يكون ديدنه دائمًا ملاحقة الصيد في البراري،
وهذا من شأنه أن يشغله عن بعض الواجبات، لكن الخروج للصيد أصله مباح، بشرط ألاَّ
يُشْغَل عمّا هو أهمّ منه، ولكن مع هذا مَن أكثَرَ منه فإنه يغفل عن الفقه في
الدين، فلذلك على الإنسان أن لا يكون منهمكًا في الصيد، وإنما يخرج إلى الصيد
أحيانًا وبمقدار، لئلا يغفل مع الغافلين.
وقوله: «وَمَنْ أَتَى السُّلْطَانَ افْتُتِنَ» الذي يأتي السلطان على قسمين: قسمٌ يأتيه للنصيحة والموعظة وبيان الحق، فهذا أمر مطلوب، بل هو واجب؛ لأنه من باب الدعوة إلى الله، ومن باب التعاون مع ولاة الأمور على البر والتقوى ومن باب النصيحة لأئمة المسلمين. فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»، قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «لِلهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلأَِئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ» ([1])، النصيحة مطلوبة، وأهمها النصيحة لأئمة المسلمين ولعامَّتهم، فهذا الإتيان محمود؛ لأنَّ القصد منه الخير والتوجيه والدعوة إلى الله ومصلحة الناس، وفيها مصلحة السلطان ومصلحة الرعية؛ لأنَّ السلطان إذا صلُح صلحت الرعية، والسلطان بشر قد يغفل عن بعض الأمور، وقد لا يبلغه بعض
([1])أخرجه: مسلم رقم (55).