×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثاني

ويقتضي أنَّ ما انفرد به أهل الباديةُ عن جميع جنس الحاضِرةِ - أعني في زمن السلف من الصحابة والتابعين - فهو ناقصٌ عن فضل الحاضرةِ أو مكروهٌ. فإذا وقـع التشبُّه بهم فيمـا ليس مـن فِعْل الحاضـرةِ المهاجرينَ: كان ذلك إمّا مكروهًا أو مُفْضيًا إلى مكروهٍ، وهكذا العرب والعجم، فإنَّ الذي عليه أهل السُّنة والجماعة: اعتقـادُ أنَّ جنسَ العربِ أفضلُ مـن جنسَ العَجَم: عِبْرانيِّهم وسُرْيانيِّهم، ورُوميّهم، وفُرْسِيِّهم، وغيرِهم، وأنَّ قريشًا أفضل العرب، وأنَّ بني هاشم أفضلُ قريشٍ، وأنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أفضلُ بني هاشم، فهو أفضلُ الخَلْق نَفْسًا وأفضلُهم نَسَبًا. وليس فضلُ العربِ ثم قريشٍ، ثم بني هاشم، لمجرَّد كون النبيِّ صلى الله عليه وسلم منهم، وإن كان هذا من الفضل، بل هم في أنفُسِهم أفضلُ، وبذلك يَثبُـت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أفضلُ نَفْسًا ونَسَبًا، وإلاّ لزم الدَّورُ.

***

 هذا من حيث الأسماء، لكن الاسم المشترك الذي يجمع الطوائف هو عدم سُكنى الحاضـرة، سواء حاضـرة العرب أو حاضـرة غيرهم، فكلُّهم يأخذون حُكم الأعراب، وإن لم يُسمَّوا أعرابًا، نظرًا لمسكنهم وهو البادية. فهذا الأصل يُوجِبُ أن يكون جنس الحاضرة أفضلَ من جنس الباديةِ، وإن كان بعضُ أعيانِ الباديةِ أفضلَ من أكثر الحاضرةِ مثلاً.

الله جل وعلا لما ذمَّ الأعراب، قال: ﴿وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَٰتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَٰتِ ٱلرَّسُولِۚ أَلَآ إِنَّهَا قُرۡبَةٞ لَّهُمۡۚ سَيُدۡخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ [التوبة: 99]. فلا يُفهم من هذا أنَّ كل من سكن البادية مذموم، بل قد يكون فيهم من


الشرح