فكانوا إذا اجتمعوا يستبشر بعضهم لبعض، لكن إذا رأوا بني هاشم قطَّبوا وجوههم كراهيةً لهم، وهذا من باب العصبية، فأغضبوا العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه فجاء يشكو إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم. والرسول صلى الله عليه وسلم غضب لهذا، ثم إنه خطب وبيَّن ما لبني هاشم من الفضل، وقال: «لاَ يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الإِْيمَانُ حَتَّى يُحِبَّكُمْ لِلهِ وَلِرَسُولِهِ» يعني: للأمرين: للإيمان والقرابة، كما سبق أن ذكرنا بأنَّ القرابة بدون إيمان لا تنفع، فلم تنفع أبا لهب، وأنَّ الفضل إنما هو للأمرين: للقرابة وللإيمان، لا للقرابة فقط، والعباس رضي الله عنه يجمع بين الأمرين، فهو من بني هاشم؛ لأنه عمّ الرسول، وهو من أفضل الصحابة، ومن أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وأنصاره، فاستحق بهذا أكمل الأوصاف، وإنْ أبغضه مَن أبغضه من قريش وكرهه حسدًا. فالرسول صلى الله عليه وسلم بيَّن فضل بني هاشم، وأنَّ مَن أنكره كان فيه من النفاق ما فيه، وكذلك مَن أغضبَ العباس، وهو قريب الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هو عمّه صِنو أبيه، فمن أغضب العباس فقد أغضب الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا فيه بيان الفضل لأهله، والإنكار على مَن أنكر فضل أهل الفضل، وأُعجب بنفسه، وبيان ما لأهل بيت النبوّة من الفضل مع الإيمان، فإنَّهم إذا آمنوا بالله ورسوله كان ذلك أفضل بلا شك، ولهم حق القرابة وحق الإيمان، ولهذا قال: «لاَ يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الإِْيمَانُ حَتَّى يُحِبَّكُمْ لِلهِ وَلِرَسُولِهِ» يعني: للإيمان ولقرابتي، للأمرين، فهم لهم علينا حقّان: حق الإيمان - بمعنى: نحبهم في الله لأنهم مؤمنون - وحق القرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.