بُعث إلى الجنِّ والإنس، أي: إلى الثقلين، وكانت رسالته عامّة وباقية إلى أن تقوم الساعة، فهذا يدل على فضل بني إسماعيل بما فضلهم الله بهذا الرسول، وهذا القرآن الذي هو بلُغَتهم، وهذا الخير الذي أوجده الله فيهم، ولذلك حسدهم بنو إسحاق، وهم اليهود والنصارى، وحسدوا العرب على هذا الفضل وامتنعوا من الإيمان، وهم يعرفون أنَّ الرسول حق، وأنَّ القرآن حق، وأنَّ ما جـاء به حق، وهو موجـود عندهم في التوراة والإنجيل، فهم من باب الحسد كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فحملهم الحسد على الكفر والعياذ بالله، وآثروا الإقدام على النّار لأجل التمسك بعصبيتهم، حتى إنهم يفتخرون بذلك، ولذلك فهم مصرُّون على ما هم عليه، قال تعالى حاكيًا قولهم: ﴿وَلَا تُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمۡ قُلۡ إِنَّ ٱلۡهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ﴾ [آل عمران: 73]، وقولهم: ﴿كُونُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰ تَهۡتَدُواْۗ﴾ [البقرة: 135]، وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ﴾ [البقرة: 120]، وهذه منهم عصبية ممقوتة؛ لأنَّ الواجب على المسلم أن يتبع الحق مع من كان، فالحق ضالَّة المؤمن، ولا يُحجَر على الله عز وجل أن يجعل رسالته فيما يختار سبحانه وتعالى فقد قال سبحانه: ﴿ٱللَّهُ أَعۡلَمُ حَيۡثُ يَجۡعَلُ رِسَالَتَهُۥۗ﴾ [الأنعام: 124]، وقال: ﴿لِّئَلَّا يَعۡلَمَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ أَلَّا يَقۡدِرُونَ عَلَىٰ شَيۡءٖ مِّن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ﴾ [الحديد: 29].