بنفسِه، فقال: لا، ولكن ضعوا عمر حيث وضعه الله
تعالى، فبدأ بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم من يليهم، حتى جاءت نوبتُه
في بني عَديّ، وهم متأخرون عن أكثر بطون قريش. ثم هذا الاتِّباعُ للحق قدَّمه، على
عامّة بني هاشم، فضلاً عن غيرهم من قريش.
***
قوله: «وإنما يتم
الكلام بأمرين: أحدهما: أنَّ الذي يجب على المسلم إذا نظر في الفضائل...»
المقصود: أنه رغم تفضيل الله لأمّة العرب بما جبلهم عليه من الأخلاق الحميدة وبما
أنزل من القرآن بلغتهم، لكن ليس معنى هذا أن يفتخر العربي على غيره من العجم،
فإنَّ الافتخار بالنسب أو بالبلد أو بالقبيلة أمر مذموم، والمطلوب التواضع، كما
جاء في حديث عِياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم
قال: «أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى
أَحَدٍ، وَلاَ يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ» ([1])، والفخر: هو التمدح
بأمر واقع وموجود، فلا يجوز للإنسان أن يتمدح بنسبِه أو ببلدِه، وأما البغي: فهو
التطاول على الناس بغير سبب.
قوله: «فنهى سبحانه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم عن نوعي الاستطالة...» يعني: نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الاثنين: الافتخار والبغي، فالافتخار قد يكون له سبب صحيح، ولكن هذا السبب لا يقتضي أنَّ يصيب صاحبه العجب بنفسه، كالعربي الأصيل، لا يحقُّ له أن يسخر من العجم، وأما البغي: فهو الاستطالة بغير سبب، ولقد حرّم الله البغي ونهى عنه في آيات كثيرة من كتابه الكريم، حيث قال سبحانه: ﴿قُلۡ إِنَّمَا
([1])أخرجه: مسلم رقم (2865).